تحركات مكثفة وأنشطة عديدة تستعد دولة الاحتلال الإسرائيلي للإعلان عنها لإحياء ذكرى نكبة قيام الكيان المحتل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك وسط حرب الإبادة الجماعية والتجويع التي تقودها حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو ضد أطفال ونساء غزة دون رحمة أو شفقة، لإنجاز ما وصفه بـ”قوة الردع” تجاه أي فصيل مسلح يستهدف إسرائيل.
تتغافل الحكومة الإسرائيلية ووسائل إعلامها حقيقة قاطعة وهي احتلالهم لأراض عربية فلسطينية بقوة السلاح وفرض التهجير على عدد من القرى والبلدات الفلسطينية عام 1948، وذلك في محاولة لاقتلاع شعب مدني مسالم أعزل من أرضه مقابل إقامة ما يسمى “وطن قومي لليهود” وهو الهدف الأصعب للاحتلال الذي يضم مكونات طائفية وعرقية متباينة في الأفكار والرؤى تصعب قيام الدولة اليهودية الطائفية التي يتحدث عنها حاخامات الوكالات الصهيونية المنتشرة في العالم.
الأطماع الإسرائيلية في الأراضي العربية دفعها للعبث بأمن واستقرار الإقليم وشرعت تل أبيب في إرساء الانقسام بين الفلسطينيين ودفعهم للصراع على أمور ثانوية بعيدا عن قضيتهم المركزية الأم وهي تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وفرضت إسرائيل واقعا أمنيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا مختلفا عن الضفة الغربية وغزة، ما أقحم المواطن الفلسطيني في صراعات لا تتوقف عن كيفية توفير العيش الكريم وتلبية احتياجات الأسرة بعيدا عن أم القضايا وهي تحرير الأرض والعرض من المحتل الإسرائيلي والذي يرفض تطبيق القرارات الأممية والدولية، ويرتع في الأراضي المحتلة وبعض البلدان العربية دون حسيب أو رقيب وهو ما يؤكد أن إسرائيل عبارة عن عصابات مسلحة تسيطر على مدن فلسطينية وليس دولة كما تزعم دوما.
خدمت الظروف الجيوسياسية التي عصفت بالإقليم خلال العقود الماضية بشكل غير مباشر الأجندات الإسرائيلية التوسعية التي تسعى لتفتيت المنطقة باستخدام الطائفية والنعرات الحزبية، لتقسيم الشعوب وتفتيت الدول والأوطان وإضعاف الجيوش الوطنية العربية لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تلقى هزيمة ساحقة وعار سيلاحقه دوما على يد فصائل فلسطينية مسلحة غير نظامية، وحول الاحتلال هذه الهزيمة المذلة له إلى انتقام وقتل وحشي وإبادة للحرث والنسل في غزة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام.
ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد تحاول الحكومة الإسرائيلية التدخل في الشؤون السورية عسكريا أو سياسيا أو جغرافيا بمحاولة فرض واقع جديد في الجولان المحتل، وذلك في ظل محاولات حثيثة لدعم خطط الأكراد بالسعي نحو إقامة نظام فيدرالي بعيدا عن مركزية دمشق، وآخرها استخدام الاحتلال للدروز المتواجدين في إسرائيل (يمثلون 1.6% من التعداد الإسرائيلي) لفتح خطوط اتصال مباشرة مع دروز سوريا، وتكللت هذه الجهود بنجاح من خلال تنظيم زيارة لهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بذريعة زيارة مرقد النبي شعيب والذي يعد من أقدس الأماكن لأبناء الطائفة الدرزية، فمن ناحية ترضي إسرائيل الدروز المقيمين فيها والذين يؤدون الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال ومن جهة أخرى تحاول استقطاب دروز سوريا ودعمهم بكافة الطرق لتحريضهم على المطالبة بنظام فيدرالي في البلاد.
وتهدد حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع باستهدافهم حال استهدفت الفصائل المسلحة السورية للمكون الدرزي خاصة في السويداء أو جرمانا بريف دمشق، وهو ما يرفضه جزء كبير من الطائفة الدرزية التي تؤمن بـ”القومية العربية” هي ومكونات أخرى منها المكون المسيحي والعلويين بعيدا عن الدعوات والنعرات الطائفية الأخرى.
الحقيقة أن دروز سوريا الذي يمثلون 3% من أبناء الشعب السوري يجب أن يشعروا بتحركات جادة تقوم بها حكومة دمشق لتعزيز السلم والأمن الأهلى والعمل بشكل حقيقي وجاد عبر حوار وطني شامل لمعالجة القضايا الشائكة بعيدا عن الخطابات البروتوكولية الشكلية، لتبعث برسائل طمأنة إلى كافة مكونات الشعب السوري بأن النظام الجديد يعمل وفق قاعدة وطنية خالصة بعيدا عن أي أيديولوجية أو طائفية بعيدا عن سياسية “التمثيل الطائفي” لبعض الشخصيات في المؤسسات الحكومية إرضاء لطائفة بعينها لأن سوريا تحتاج لحوار حقيقي جامع وشامل يؤسس لدولة المواطنة التي تستوعب الجميع، ولن يتحقق ذلك إلا باستراتيجية أمنية وعسكرية واضحة تجمع كافة الفصائل المسلحة تحت راية علم سوريا بعيدا عن المقاتلين الأجانب الذين يسيئون للنظام الجديد في سوريا.
سوريا الجديدة تحتاج إلى دعم حقيقي ومساند من الدول العربية في معالجة الملفات الشائكة وتجاوز المنحنيات الصعبة التي تهدد وحدة واستقلالية وسيادة الدولة السورية، سوريا تحتاج للعمل بكل جهد ممكن وإطلاق حوار وطني سوري جامع قائم على أسس المواطنة والحرية والديمقراطية بعيدا عن أي محاولات للتموضع في مربعات إقليمية ودولية تؤثر على أحد أعقد المجتمعات تعقيدا في منطقة المشرق العربي.