يظل اسم  نجيب محفوظ أحد الأعمدة الكبرى التي لا يمكن تجاوزها في الأدب العربي، ليس فقط بسبب نيله جائزة نوبل في الأدب، بل لأنه استطاع عبر أعماله أن يؤسس لرواية عربية حديثة ذات طابع فلسفي، واقعي، واجتماعي عميق.لكن في خضم هذه الجدية، يغيب عن كثير من القرّاء جانب مهم في تجربته الإبداعية: الفكاهة. نعم، الفكاهة كانت حاضرة، وإن بدت خافتة أحيانًا، لكنها كانت عنصرًا محوريًا في بناء شخصياته وأحداثه، بل ومواقفه النقدية من المجتمع والسياسة والدين.هذا ما يتناوله كتاب “الفكاهة عند نجيب محفوظ” للكاتب الصحفي والباحث الروائي مصطفى بيومي، والذي يقدم دراسة تحليلية متعمقة لظاهرة الفكاهة في أعمال الأديب الراحل، كاشفًا عن زوايا جديدة في أعماله، وربما آن الأوان لنعيد قراءتها بابتسامة.

الفكاهة عند نجيب محفوظ.. الوجه الساخر لصاحب نوبل

صدور مجموعة جديدة من الترجمات وكتب للأطفال خلال أبريل

الفكاهة… مفتاح لقراءة جديدةيرى الكاتب الروائي مصطفى بيومي أن نجيب محفوظ لم يتعمد دائمًا إنتاج الضحك المباشر، لكنه استخدم الفكاهة كأداة سردية وأسلوبية تنبع من الموقف، والحدث، واللغة. ويؤكد أن هذا النوع من الفكاهة ليس ترفًا بل ضرورة فنية وفكرية، تتجلى في:الشخصيات الهزلية.ينقسم هذا البحث إلى تمهيد وعشرة فصول، تتناول الفكاهة النابعة من: السياسة، الدين، عالم الموظفين، لخمر والمخدرات، الشتائم، اللعة، الأطفال، الغناء والموسيقى، الموت.القانون الذي يحكم فكاهة وسخرية نجيب محفوظ  يذهب مصطفى بيومي إلى أن القانون الأول الذي يحكم الفكاهة والسخرية في رؤية نجيب محفوظ  يتاتي في رواية “عصر الحب” تساءلت بدرية: “هل نعرض رواياتنا الهزلية في الكلوب المصري ؟”.فقال حمدون: “ليست هزلية بالعنى المتعارف عليه، فمن خلال الهزل أقول أشياء لها قيمتها ؟”.واحدة من أبرز الملامح التي يسلط عليها الكتاب الضوء هي توظيف محفوظ لـ”الكوميديا السوداء”، وهو مصطلح يشير إلى خلق الضحك من المآسي، أو استحضار التهكم من الواقع المؤلم. ونجد ذلك بوضوح في روايات مثل:مثل:”ثرثرة فوق النيل”، حيث يصبح العبث والسخرية من الواقع السياسي ثقافة يومية داخل عوامة. ونجد نموذ أخر  كمال أحمد عبد الجواد، في الثلاثية، التي نصاحبها في تطورها من الطفولة إلى الكهولة، من الشخصيات التي تستحق أن تتوقف أمامها ونتأمل كلماتها فما يقدمه كمال في السياسة والثقافة والدين والحب والجنس يجد صداه في المؤلفات السابقة  واللاحقة لنجيب محفوظ.قبل هزيمة 67 كان المثقفون المصريون المنعزلون عن واقعهم، وربما المعولون عنه، والمهزومون قبل الهزيمة، يمارسون ثرثرتهم فوق النيل في انتظار هزيمة الوطن بعد هزيمة الذات. وتساءلت ليلى زيدان:” ما آخر نكتة ؟”فأجاب مصطفى راشد معبرا عن رائحة الهزيمة المنتظرة:” لم يعد هناك من نكات مذا اصبحت حياتنا نكتة سمحة “محفوظ يُضحكك لا ليرفه عنك بل ليوقظكيمتاز محفوظ بقدرته على خلق شخصيات “تعيش” في الذاكرة، لا بسبب دورها الدرامي فقط، بل لأنها تمثل نموذجًا ساخرًا من فئة أو عقلية معينة. فمن “سي السيد” المتسلط الذي ينهار أمام ضعف أبنائه، إلى “الشيخ عبد ربه التائه” الذي يطلق الحكم في الشوارع كأنها وحي، دون أن يدرك تناقضه، نجد شخصيات محفوفة بالهزل، لكنها عميقة المعنى. والأجمل أن هذه الفكاهة لا تقتصر على “الكاريكاتير”، بل نجدها حتى في سلوك الشخصيات الجادة، كوسيلة للتفريغ أو التورية أو التمرد. يؤكد الكتاب أن الفكاهة عند محفوظ لم تكن مجانية، بل مشبعة بالنقد الاجتماعي والسياسي والديني. ففي رواياته نرى نقد السلطة من خلال إظهار عبث قراراتها أو سذاجة رجالها، نقد التدين الشكلي في شخصيات تمارس الطقوس وتخالف القيم.. نقد العلاقات الاجتماعية القائمة على الرياء أو المصالح.. يُضحكنا محفوظ، لكنه يقودنا إلى التفكير… والوجع.

زيارة مصدر الخبر