ثقافة, جريدة الدستور 5 فبراير، 2025

وسط الزخم الثقافى الهائل، الذى تشهده دورة هذا العام من معرض القاهرة للكتاب 2025، يبرز اسم الكاتب العراقى محمد الأحمد، كواحد من الأصوات الأدبية العربية التى لاقت اهتمامًا كبيرًا، خاصة مع تأهل روايته «السيد العام» للقائمة القصيرة لجائزة كتارا. الرواية، التى صدرت عن دار غراب للنشر بالقاهرة، جاءت لتعكس تجربة إبداعية غنية، وتؤكد حضور الأدب العراقى بقوة فى الساحة الثقافية العربية، فى ظل التفاعلات السياسية التى شهدها العراق خلال السنوات الماضية.فى حواره مع «الدستور»، يتحدث محمد الأحمد عن روايته «السيد العام»، والظروف التى أحاطت بكتابتها، بالإضافة إلى تجربته فى النشر فى القاهرة، أهم العواصم الثقافية فى العالم العربى.■ هل هذه الزيارة الأولى لمعرض القاهرة للكتاب؟ وما انطباعك عنه؟- أجل، وكان حلمى منذ أن كنت فى السابعة عشرة من عمرى أن أزور معرض القاهرة تحديدًا، والآن وبعدما وصلت إلى سن الرابعة والستين تحقق الحلم.حققت حلم زيارة المعرض، وتحقق معه حلم آخر بالمشاركة فى المعرض بأحد أعمالى، وهى رواية «السيد العام»، الصادرة عن دار غراب. ومعرض القاهرة للكتاب هو الحلم المرتبط بالطفولة والشباب وبقية سنين العمر، ولم أر معرضًا، فى ضخامته وحجم الإقبال عليه من الزوار سواء من العرب أو المصريين، كما أنه فرصة للقاء كل الأصدقاء من الكتاب العرب والمصريين.

الكاتب العراقى محمد الأحمد: التاريخ العربى كُتب بالدم ويجب إعادة كتابته مرة أخرى
محمد الأحمد في لقاءه مع الدستور ■ لماذا اخترت القاهرة لنشر روايتك؟- مصر هى أم الكتاب والثقافة والمعرفة، فنحن تعلمنا من كتّابها وأساتذتها، كما تعلم كل العرب من الدراما المصرية، كما علم الفن المصرى القديم العالم الفن الحديث.وأغرتنى دار غراب للنشر بإصدراتها المهمة، فعرضت على مدير الدار عملى، وهكذا كان أول عمل لى مع الدار، وهذه الرواية «السيد العام» وصلت للقائمة القصيرة لجائزة كتارا.■ ماذا تتناول الرواية؟- تتناول الرواية تعريفًا بالعراق طوال أربعين سنة، وتقدم رؤية عن التاريخ السياسى للدولة وتاريخ العراق أثناء الانهيارات الإقليمية الحاصلة فى العالم العربى، ووضحت الأسباب الحقيقية لهذه الانهيارات فاتخذت مسارًا مختلفًا غير الخيال، اعتمدت خلاله على الوثيقة ومذكرات الآخرين وكتب التاريخ الحقيقى المشهود، ولم أعتمد على الشائعات، وركزت على الفترة من نهاية حكم الملك فيصل الأول بالعراق حتى احتلال الكويت.وهى رواية استندت إلى المعلومات الحقيقية، استندت إلى تاريخ المخابرات العراقية، وأروى فيها، بالإضافة لسيرة صدام حسين، سيرة ضابط مخابرات كبير ساند صدام طوال حياته، إلا أن الأخير قتله نتيجة الصراعات بينهما.فعالم المخابرات صعب الدخول إليه لسيرته، لكننى دخلت هذا العالم عن طريق الوثائق والأشخاص، فلم أترك أى كتاب سيرة أو كتب اعترافات للشيوعيين والبعثيين والقوميين، وكل الطبقة السياسية المعاصرة لهذه الفترة حتى مذكرات كيسنجر، غطيتها بهذه الرواية متعمدًا، لأن الحاكم التالى دائمًا ما يخفى جهد من قبله، فالتاريخ يكتبه المنتصر لأنه يكتب ما حضره  لا ما سمعه من أحد.■ هل يمكن القول إن الرواية صوت المهزوم الذى أغفله التاريخ الذى يكتبه المنتصر؟- نعم، روايتى «السيد العام» تعتبر صوت المهزوم أو الرواية الأخرى للتاريخ، فقد كتبت قبلًا رواية عن «الجعد بن درهم» بعنوان «دمه»، وستصدر أيضًا عن دار غراب، وهى أيضًا رواية عن التاريخ المفقود فى العصر الأموى، ودخلت الفترة العربية المظلمة من التاريخ أو قبل التدوين العربى أو بعد عصر تنقيط الحروف، فقد وصلتنا معلومات ناقصة عن الجعد بن درهم، وهى سبب ذبحه فى المسجد، وقد كشفت هذا السبب فى الرواية من باب آخر، وهذا بعد قراءات مطولة، واكتشفت أن الرجل كان يريد حياة سياسية حرة، لكن ذبحه لم يكن متعلقًا لا بتفسير القرآن ولا ما يقال فى التاريخ عنه، أو كما تقول الشائعات إنه فسر القرآن بطريقة خاطئة، لكن السبب الحقيقى هو إصراره على فضح أولاد الحكام وممارساتهم الشاذة فى الحرم الدراسى.
img
محمد الأحمد في لقاءه مع الدستور ■ بمناسبة الحديث عن الأمويين.. كيف ترى المشهد السورى الراهن؟- رغم أن دمشق هى بؤرة التاريخ الأموى، لكن ما يحدث فى سوريا الآن لا علاقة له بهذا الإسلام الذى وصلنا ونعيشه الآن، وهو إسلام العثمانيين الأتراك، فما وصلنا تراث محرف، وكل حاكم أو خليفة جاء أضاف إليه ما يخدم مصالحه.مشكله التاريخ هى البحث، إما أن يكون متعمقًا أو سطحيًا، والدليل أن هذا التاريخ الواصل إلينا لم يكن بذات العمق، والآن بات التاريخ الدينى خاطئًا وناقصًا.وهذا التاريخ الخاطئ أدى لاستغلال الجماعات المتطرفة لفرض رؤيتها، ولذا نحن بحاجة لإعادة كتابة التاريخ العربى والإسلامى بمعلومات ومعرفة اليوم، فلا يصح كتابة التاريخ بمنظور 1400 عام مضت. والتاريخ العربى كُتب بالدم، تاريخ دموى، فهذه طبيعة البشر بشكل عام، لكن الأمم الأخرى هى من تكتب تاريخنا ولا نكتبه نحن.■ هل يعنى هذا قطيعة معرفية مع التراث الذى وصلنا؟- القطيعة المعرفية فقط تخلص الإنسان من المشكلات، ولأن المحيط يحاصرنا بالماضى ويخنقنا به، فلو كنا تجاوزناه ما تعرضنا لهذه التحديات.■ ماذا تمثل الجوائز لك؟- الجوائز لا تعطى أهمية للأعمال أكثر من أنها تعرف الناس بالكتب وكتابها، ومدى جودتها، وأيضًا تحول الكتاب المغمورين لكتّاب معروفين، فأنا مثلًا تحولت من كاتب مغمور لمعروف رغم أننى كتبت العديد من الأعمال الروائية.وتسابقت – كما عرفت فيما بعد – روايتى بين أعضاء اللجنة، فكانت هناك حيرة فى الاختيار بين روايتين، إحداهما تخص ثورة الزنج وروايتى الخاصة بالتاريخ العراقى الحديث، لكن ثورة الزنج هى التى فازت.■ لمن قرأت للكتاب المصريين وأثّر فيك؟- قرأت تقريبًا لكل الكتاب المصريين؛ كنجيب محفوظ، وطه حسين، ويوسف إدريس، ويوسف السباعى، لكن القائمة أطول من تسميتها، وأنا فى الصف الخامس الابتدائى وجدت كتابًا للمنفلوطى فى المكتبة ما زلت أحتفظ به حتى اليوم. وقد اشتريت كتب جمال الغيطانى من المعرض فى هذه الزيارة.■ كمثقف عراقى.. هل تقبل باعتذار كنعان مكية عراب احتلال بلادك عام 2003؟- الاعتذار شىء جيد ومقبول بعد كل الدمار والحيوات المهدرة، لكن المفكر أو الكاتب عندما يتوصل إلى أنه دخل لمنطقة خطأ، هو دفع لها دفعًا لكنه بالأخير تراجع عما فعله، فمعظم الكتاب فى الساحة مستأجرون، ولا يمكن محو صدام حسين من تاريخ العراق، فقد احتل الحكم طوال أربعين سنة، فلا يستطيع أحد إلغاء كل هذه السنوات، فحتى مصمم غلاف روايتى أضاف صورة صدام عليه؛ لأنه لا يمكن أن يرفع من التاريخ، فكل مرحلة أوصلت لمرحلة أخرى.لكن رغم كل ما يحدث اليوم لم تكن أيام صدام أفضل، ولا من جاء بعده، فهى مرحلة انتقالية، والحكام الحاليون أيضًا لن يغادروا، وستكون لهم حقبة تاريخية خاصة بهم.

زيارة مصدر الخبر