قال الدكتور مصطفى الشربيني، المراقب باتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ ورئيس معهد الاستدامة والبصمة الكربونية، إن “إعلان القاهرة” الذي سيُعلَن رسميًا في وقت لاحق اليوم خلال الجلسة الختامية لمؤتمر الأطراف الرابع والعشرين لاتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط COP24، يمثل وثيقة محورية تعيد صياغة فلسفة العمل البيئي والمناخي في المنطقة، وتؤسس لمرحلة جديدة يقود فيها البحر المتوسط مسار التحول الأخضر استنادًا إلى رؤية مشتركة تضع البيئة في قلب التنمية، وتعيد الاعتبار للعلاقة الحيوية بين الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية.وأوضح الشربيني، أن الإعلان، الذي سيأتي بمشاركة ممثلي 21 دولة من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، لم يكن مجرد إطار عام أو بيان بروتوكولي يختتم أعمال المؤتمر، بل جاء حصيلة نقاشات معمّقة ورؤية سياسية واعية أدركت مبكرًا أن مواجهة التحديات البيئية والمناخية لم تعد ترفًا يمكن تأجيله أو حصره في نطاق الإجراءات النمطية، وإنما ضرورة استراتيجية تمسّ جوهر الاستقرار في المنطقة، مؤكدًا أن مصر، من خلال قيادتها للمؤتمر وتنظيمه في القاهرة، نجحت في تقديم نموذج لدولة تتحرك بفكر استباقي، تقرأ التحولات الدولية المعقدة، وتصوغ أدواتها ومصالحها بطريقة تجعل من البيئة ركيزة أساسية لقراراتها التنموية والسيادية.

انتقال مصر من مرحلة الوعي البيئي إلى مرحلة القيادة الإقليمية والدولية في العمل المناخي

وأشار إلى أن إعلان القاهرة يجسّد انتقال مصر من مرحلة”الوعي البيئي” إلى مرحلة “القيادة الإقليمية والدولية” في العمل المناخي، خاصة أنه يضع للمرة الأولى تصورًا شاملًا يجمع بين حماية البيئة البحرية والساحلية، وتحقيق التنمية المستدامة، وربط السياسات الاقتصادية بسياسات المناخ، الأمر الذي يمنح الإعلان بعدًا سياسيًا لا يقل أهمية عن بعده البيئي. وأضاف أن جوهر الإعلان يقوم على فكرة أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر لم يعد خيارًا تكميليًا، بل مسارًا استراتيجيًا يتقاطع مع أمن الطاقة، وقدرة الدول على جذب الاستثمارات، واستيعاب التقنيات الحديثة، والاستجابة الفاعلة لمتطلبات الأسواق العالمية التي باتت تضع الاستدامة شرطًا رئيسيًا للنفاذ الاقتصادي.وشدد على أن الإعلان سيكشف بوضوح عن إرادة سياسية تتعامل مع التغير المناخي باعتباره فرصة لإعادة بناء نموذج تنموي أكثر عدالة واستدامة، لا باعتباره عبئًا يُفرض على الدول النامية.وقال الشربيني، إن مصر، عبر هذا الإعلان، تقدم رؤية متوازنة تُعلي من قيمة التنمية دون الإخلال بحقوق الأجيال القادمة، وتضع تصورًا عمليًا لكيفية حماية الموارد البحرية التي تُعد محورًا أساسيًا لحياة أكثر من ٤٧٥ مليون إنسان يعيشون في دول حوض المتوسط.وأوضح أن الإعلان يحمل أيضًا بُعدًا رمزيًا مهمًا لكونه يتزامن مع مرور ٥٠ عامًا على تأسيس خطة عمل البحر المتوسط التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومرور 20 عامًا على اعتماد اتفاقية برشلونة بعد مؤتمر ريو، وهو ما يمنحه وزنًا سياسيًا إضافيًا باعتباره وثيقة لتجديد الالتزام الجماعي بحماية البحر المتوسط، وتعزيز التعاون بين دوله في مواجهة التحديات البيئية المتصاعدة، وفِي مقدمتها التلوث البحري، ومخاطر الأنشطة الساحلية، وارتفاع مستويات البحر، وتأثيرات التغير المناخي على موارد الصيد والسياحة والاقتصادات المحلية.وأكد أن إعلان القاهرة لا يقتصر على تقديم رؤية عامة، بل يرسم ملامح العقد البيئي الجديد للمتوسط من خلال تعزيز الحوكمة المشتركة، وتطوير أدوات المتابعة والمساءلة بين الدول الأطراف، واعتماد مقاربات جديدة للاقتصاد الأزرق ترسّخ مبدأ الاستدامة في الصيد والطاقة البحرية والسياحة والنقل البحري، بما يسمح بتطوير فرص اقتصادية حقيقية تسهم في خلق وظائف جديدة، وتحسين مستوى معيشة المجتمعات الساحلية، ودعم التحول نحو ممارسات أقل تلويثًا وأكثر كفاءة.وأشار إلى أن الإعلان يمنح أهمية واسعة للبعد الاجتماعي، من خلال التأكيد على دور الشباب والنساء والمجتمع المدني في صياغة مستقبل البيئة في المنطقة، وهو توجّه يعكس إيمانًا بأن مواجهة التحديات البيئية لا يمكن أن تتم من أعلى فقط، بل تحتاج إلى مشاركة شعبية واعية تسهم في خلق ثقافة جديدة للتعامل مع الموارد الطبيعية، وتدعم سياسات الدول في الحد من الانبعاثات والتلوث وإدارة النفايات.واختتم الشربيني تصريحه بالتأكيد أن “إعلان القاهرة” لا يمثل نهاية لمسار، بل بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك الذي ستقوده مصر خلال السنوات المقبلة، خاصة في ضوء الدور الذي لعبته في COP27 ووجودها المتنامي في ملفات التمويل المناخي، ودعم الدول النامية، وإرساء قواعد أكثر عدالة في آليات التكيف والتخفيف. وأعرب عن تطلعه إلى أن يشكّل هذا الإعلان نقطة تحول حقيقية تعيد رسم مستقبل البحر المتوسط، وتحوّله إلى نموذج عالمي للتكامل البيئي والتنمية المستدامة.

زيارة مصدر الخبر