قد تكون مايكروسوفت بصدد التحضير لواحدة من أكثر عمليات التحول البرمجي الداخلي طموحًا التي شهدها قطاع البرمجيات منذ سنوات، فقد كشف مهندس كبير في الشركة عن خطة طويلة الأجل تهدف إلى إزالة جميع أكواد C وC++ من منتجات مايكروسوفت بحلول نهاية هذا العقد، وتشير الفكرة، التي نُشرت عبر منشور على LinkedIn متعلق بالوظائف، إلى مستقبل تُعاد فيه كتابة قواعد البيانات البرمجية الضخمة والمعقدة بوتيرة غير مسبوقة باستخدام مزيج من الذكاء الاصطناعي والأنظمة القائمة على الخوارزميات، ورغم أن هذا الادعاء يبدو مبالغًا فيه للوهلة الأولى، إلا أن التفاصيل تُشير إلى أن مايكروسوفت تُهيئ بالفعل الأرضية اللازمة لتحقيقه.
تعتزم مايكروسوفت استبدال جميع أكواد C وC++ بلغة Rust
كشف عن هذه الخطة جالين هانت، وهو مهندس كبير في مايكروسوفت يتمتع بخبرة 28 عامًا في الشركة، بل إنه أعلن عن وظيفة شاغرة لمهندس برمجيات رئيسي (IC5) في ريدموند، وفي منشوره، أوضح هانت هدفه المتمثل في التخلص من جميع أكواد C وC++ في مايكروسوفت بحلول عام 2030، اللغة البديلة المختارة هي Rust، التي اكتسبت شعبية متزايدة في برمجة الأنظمة نظرًا لتركيزها على أمان الذاكرة والأداء دون الاعتماد على جمع البيانات المهملة.
وأبرز ما في منشور هانت هو ما يسميه معيار “النجم القطبي” للفريق: مهندس واحد، شهر واحد، مليون سطر من التعليمات البرمجية، يشير هذا الهدف إلى النطاق الذي ترغب مايكروسوفت في العمل به، تقليديًا، تُعتبر إعادة كتابة حتى بضعة آلاف من أسطر التعليمات البرمجية للأنظمة القديمة أمرًا محفوفًا بالمخاطر ويستغرق وقتًا طويلاً، تحاول مايكروسوفت تغيير هذا المفهوم باستخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي الموجهين بأنظمة خوارزمية لتعديل وترجمة التعليمات البرمجية على نطاق واسع.

منشور هانت
وبحسب هانت، أنشأت مايكروسوفت بالفعل بنية تحتية قوية لمعالجة التعليمات البرمجية لدعم هذا الجهد، على المستوى الخوارزمي، يُنشئ النظام رسمًا بيانيًا قابلًا للتوسع فوق التعليمات البرمجية المصدرية، مما يسمح له بفهم العلاقات والتبعيات عبر قواعد بيانات ضخمة جدًا، وفوق ذلك، توجد طبقة معالجة ذكاء اصطناعي تُطبّق وكلاء ذكاء اصطناعي لإجراء تعديلات على التعليمات البرمجية، مع خوارزميات تُوجّه هذه التغييرات للحفاظ على صحتها وبنيتها، وأشار هانت إلى أن جوهر هذه البنية التحتية يعمل بالفعل على نطاق واسع، لا سيما في المهام المتعلقة بفهم التعليمات البرمجية، وهي خطوة أولى حاسمة قبل أي ترجمة واسعة النطاق.
ويهدف منصب مهندس البرمجيات الرئيسي المُعلن عنه حديثًا إلى تطوير هذه البنية التحتية، وتحديدًا لتمكين ترجمة أكبر أنظمة مايكروسوفت المكتوبة بلغة C وC++ إلى لغة Rust، يوضح وصف الوظيفة أن هذا ليس دورًا نظريًا أو تجريبيًا، يُتوقع من المرشحين امتلاك خبرة عملية قوية في كتابة أكواد Rust عالية الجودة على مستوى الأنظمة، ويفضل أن تكون هذه الخبرة لمدة ثلاث سنوات على الأقل، تُعتبر الخبرة في مجالات مثل المترجمات وقواعد البيانات وأنظمة التشغيل ميزة إضافية، مما يُبرز الطبيعة الدقيقة والحساسة للأداء للعمل المطلوب.
على الرغم من أن خبرة المترجمات ليست شرطًا أساسيًا عند التقديم، أكد هانت على ضرورة أن يكون أي شخص ينضم إلى الفريق على استعداد لتطوير هذه الخبرة، يشير هذا الشرط إلى أن عملية الترجمة ستتجاوز مجرد تحويل الصيغة، ومن المرجح أن تشمل تغييرات جذرية فى كيفية عمل الأنظمة وتحسينها والتحقق منها أثناء التشغيل.
كما كشف هانت عن ثقافة الفريق التى تقف وراء هذه المبادرة، واصفًا إياها بأنها مدفوعة بعقلية النمو، ومستعدة لخوض المخاطر الجريئة، ومبنية على مهارات ووجهات نظر متنوعة، بحسب قوله، يُعدّ هذا النهج ضروريًا في مرحلةٍ تُغيّر فيها أدوات الذكاء الاصطناعى بسرعةٍ طريقة بناء البرمجيات وصيانتها، وتتمثّل مهمة الفريق الأوسع فى مساعدة مايكروسوفت، وعملائها لاحقًا، على التخلص من الديون التقنية على نطاقٍ واسع بدلًا من معالجتها تدريجيًا.
ومن الناحية التنظيمية، يندرج الفريق ضمن مجموعة “مستقبل هندسة البرمجيات القابلة للتطوير” التابعة لمؤسسة “إنج هورايزونز” في مايكروسوفت، والتي تُعدّ جزءًا من “مايكروسوفت كور إيه آى”، ويتجاوز نطاق عمله الأدوات الداخلية، إذ يهدف الفريق إلى ريادة تقنيات جديدة مع الفرق الداخلية أولًا، ثم العمل مع مجموعات المنتجات الأخرى لنشر هذه القدرات على نطاقٍ واسع فى مايكروسوفت، وربما فى قطاع البرمجيات ككل.
وبينما لم تُعلن مايكروسوفت رسميًا عن قرارٍ شاملٍ بالتخلى عن لغتى C وC++، يُقدّم منشور هانت لمحةً نادرةً عن مدى جدية الشركة فى التفكير بتحديث البرمجيات على نطاقٍ واسع.