“الفن هو الكذبة التي تجعلنا نكتشف الحقائق” بهذه الكلمات لخص بابلو بيكاسو (25 أكتوبر 1881 – 8 أبريل 1973) فلسفته في الإبداع، تلك التي جعلت منه أيقونة تجاوزت حدود الزمان والمكان، ففي مثل هذا اليوم، الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1881، وُلد في مدينة مالقة الإسبانية الفنان الذي غير مسار الفن الحديث إلى الأبد، ولم يكن مجرد رسام بارع، بل كان نحاتا ومصمما وخزافا ومجددا في كل ما لمس، حتى لُقب بـ”أعظم فناني القرن العشرين”.
رحلة بيكاسو.. من عبقرية الطفولة إلى أسطورة الفن
كان بيكاسو ابنًا لأستاذ رسم هو خوسيه رويز بلاسكو ووالدته ماريا بيكاسو لوبيز، وقد ظهرت موهبته مبكرًا في سن العاشرة حين تتلمذ على يد والده في مدينة لاكورونيا، وسرعان ما تجاوز الصبي معلمه، ليقيم أول معرض له وهو في الثالثة عشرة من عمره.انتقلت الأسرة إلى برشلونة عام 1895، حيث التحق بيكاسو بأكاديمية الفنون المحلية (لا لوتخا)، وبدأت ملامح عبقريته تفرض نفسها على الساحة الفنية الإسبانية، خاصة بعد لوحته الشهيرة “العلم والرحمة” التي نال عنها تقديرًا كبيرًا في مدريد عام 1897.التحق بيكاسو بأكاديمية سان فرناندو الملكية للفنون في مدريد، لكنه سرعان ما تمرّد على أساليبها التقليدية وبدأ يرسم الحياة الشعبية في الشوارع والمقاهي، وكانت زيارته لمتحف برادو لحظة تحول كبرى، حيث تأثر بأعمال فيلاسكيز وجويا وإل جريكو، وبدأ في تطوير لغته التشكيلية الخاصة.
باريس.. عاصمة الفن والاكتشاف
في عام 1900، سافر بيكاسو لأول مرة إلى باريس، حيث اكتشف الألوان الزاهية والحرية الإبداعية التي غابت عن الأجواء الأكاديمية الإسبانية، وهناك رسم مشاهد الحياة الباريسية، ولكن الصدمة الكبرى كانت انتحار صديقه المقرب كارليس كاساجماس، وهو الحدث الذي غيّر مسار فنه بالكامل وأدخل بيكاسو في مرحلة جديدة من التعبير العاطفي العميق.
المرحلة الزرقاء.. بيكاسو يحول الحزن إلى ألوان
بين عامي 1901 و1904، عاش بيكاسو ما عُرف بالمرحلة الزرقاء، حيث غلب اللون الأزرق على لوحاته، معبّرًا عن الحزن والعزلة والفقر، وجسّد في تلك الفترة مشاهد البؤس الإنساني عبر لوحات مثل “وجبة الأعمى”، و”رجل عجوز فقير مع فتى”.
المرحلة الوردية.. بيكاسو ودفء الحياة الجديدة
عام 1904، استقر بيكاسو نهائيًا في باريس، ودخل في علاقة مع فرناندا أوليفييه التي أصبحت مصدر إلهامه في ما يُعرف بالمرحلة الوردية (1904-1906)، حيث سيطرت الألوان الدافئة والدرجات الترابية، وبرزت موضوعات السيرك والمهرجين والمتجولين في لوحات مثل “عائلة لاعبي السيرك” و”فتاة على الكرة”.
لوحة “آنسات أفينيون”.. ثورة فنية غير مسبوقة
عام 1907، رسم بيكاسو لوحته الأشهر “آنسات أفينيون”، التي شكّلت نقطة التحول الأبرز في تاريخ الفن الحديث، فقد قدّم فيها رؤية جديدة للجسد الإنساني متأثرًا بالفن الإفريقي وبأساليب إل جريكو وسيزان وإنجر، لتصبح هذه اللوحة الشرارة الأولى لميلاد “المدرسة التكعيبية” التي أسسها لاحقًا مع الفنان جورج براك.
التكعيبية.. بيكاسو يكسر القواعد
مع مطلع القرن العشرين، أحدث بيكاسو ثورة فكرية وجمالية في عالم الفن من خلال المدرسة التكعيبية، التي أعادت النظر في مفهوم الشكل والمنظور والظل، مقدمة رؤية جديدة للعالم عبر الزوايا الهندسية المتعددة، كانت أعماله مثل “رأس امرأة” (1909) و”امرأة مع كمثرى” بداية هذا التحول الجذري.