مازلت أتواصل مع الناس، أجلس معهم، واعرِف مشاكلهم، وأستمع لهم، وبصراحة همومهم لا تختلف كثيراً عن همومي، بل هى نفس همومي، فما يواجهه الوطن من مخاطر هو الهَم الأول والأخير لنا جميعاً.. كل جلساتي مع أصدقائي وزملائي وأقاربي لا يخلو الحديث فيها عن ما تتعرض له المنطقة العربية من تحديات جَمة، تهديد وراءه تهديد، حرب تلو الأخري، مشاحنات فى مناطق مختلفة ، صراع ينشب وسريعاً يشتعل صراعاً أخر فى مكان آخر، أمواج سياسية عاتية فى بلدان يتبعها صراعات قبلية وطائفية فى بلدان أخري، أما الشعوب فقد ضاعت، شعوب منها مَن ينزح ويبتعد عن مناطق الصراع ومنها مَن يُضحي ويتحمل المجاعة والتشريد ومنها مَن أصبح أخر أمانيه إيجاد خيمة تأويه _ هو وعائلته _ من برد الشتاء القارص.
ذات يوم جلست لأُحاور نفسي، أسأل السؤال وأرُد عليه، قُلت: ماذا سيكون رد فعل أعداء الوطن الهاربون بالخارج علي إنجاز المتحف المصري الكبير؟ ، ماذا سيقولون؟ ، هل لديهم ما يقولونه حول الإنجاز والإعجاز الذي قامت به الدولة؟ ، حاولت الإجابة فقُلت: سيروجون شائعات فارغة عن المتحف ، خلاص حفظنا تصرفاتهم السيئة وحماقاتهم المُتكررة ، وبالفعل: رَوَجوا لأكاذيب لكن لم يستمع لهم أحد ، تأثيرهم إنتهي، عمرهم الإفتراضي إنتهي ، فالحدث جلل ، والإفتتاح عظيم، والعالم يتحدث عن مصر وآثارها ومتحفها الذي يضم ( ١٠ ) آلاف قطعة آثرية ، وقادة وملوك ورؤساء وزعماء العالم جاؤا إلي مصر وحضروا حفل الإفتتاح وشاهدوا الآثار ووقفوا ينظرون بتمعُن لـ ( رأس “توت عنخ آمون” ) فى صورة تناقلتها كافة وسائل الإعلام العالمية فى مشهد يدل علي عظمة وتاريخ وحضارة مصر.
ظل الأعداء ينصبون لنا فخاً تلو الآخر، ولا نعرف متي سيكون الفخ الأخير؟ ، مؤامرة وراءها مؤامرة، وكأنهم يعيشون لكي يُسقطوننا ويُشردوننا ويشمتون فينا حينما يشاهدوننا نبكي علي أطلال وطننا المهدوم ، وفى المقابل : وكأننا نعيش لكى نُسقط مخططاتهم ونكشف الفخ وتمر بنا السنين ويُكتَب فى التاريخ ( هذا جيل حمى وطنه وأنقذه من الضياع وتحمل المسئولية وعبر بالوطن لبر الأمان )، فى ( ٢٥ يناير ٢٠١١ ) باغتونا بـ “فخ” خُطِطَ بأدوات جديدة ، حققوا مكاسب ( نعم ) ، أصابنا داء الفوضى ( نعم )، كانت وحدتنا ووعينا بمثابة ( مضاد حيوي ) للفوضى ، خرجنا سالمين لكننا كُنا مُنهكين فواصلنا السير فى طريق النجاة ، مرت أصعب اللحظات علينا كُنا مُؤمنين بأن الله سيُنجينا من أخطر فخ نُصِب لنا فى تاريخنا ، بعدها واجهنا عقبات جديدة، نجحنا فى مُجابهتها ، بل واصلنا العمل لبناء وطن تأثر _ كثيراً _ من كثرة ما تعرضه له من فخ وراء فخ ، تعلمنا الدرس ووضعنا الوطن فى “نيني عيوننا” وحافظنا عليه.
فَتحوا جبهة غزة تأثرنا لكن تعاملنا بدبلوماسية وقوة وشرف، اشتعلت السودان تأثرنا لكن تعاملنا بدبلوماسية وقوة وشرف، صراع رهيب فى البحر الأحمر وباب المندب تأثرنا لكن تعاملنا بدبلوماسية وقوة وشرف، فى ليبيا والبحر المتوسط تأثرنا لكن تعاملنا _ ونحن ثابتون علي مواقفنا _ بدبلوماسية وقوة وشرف .. بالتأكيد فإن كل جبهة من هذه الجبهات تمثل فخ لنا ، والنتيجة _ والحمد لله _ أننا لم نقع فيه ، لم تطأ أقدامنا الفخ ، نحن نراه ، نعرف دروبه ، وأصبح لدينا الخبرة الكافية للتعامل مع أي فخ قادم ، مُتمسكين بوحدتنا ، مُتسلحين بإيماننا بأن “مصر محفوظة وأهلها فى رباطٍ إلي يوم الدين”.