اليوم السابع, مقالات 5 فبراير، 2025

«عيشوا كِرامًا تَحتَ ظِل العَلَمِ»
أحمد رامى – قصيدة «مصر التى فى خاطرى»

العَلَم ليس مجرد شعار رسمى أنيق للدولة، بل هو معبر عن حالة تاريخية معاصرة له، وانتقال الدولة- أية دولة- من علم إلى آخر هو أمر لا يمر علينا مرور الكرام، فإن هذا التغيير يعبر بدوره عن انتقال من مرحلة تاريخية إلى أخرى.

لقب الحاكم للدولة صاحبة العلم ليس مجرد مسمى رسمى، بل هو تعبير عن أمور عدة كنظام الحكم وصلاحيات الحاكم ومدى استقلالية الدولة.. لهذا أردتُ من هذه السلسلة من المقالات أن استعرض قصة العلم المصرى، وألقاب حكام مصر عبر التاريخ، ودلالات كل منها.

1 – أربعة ألوان وفرعون
كانت الملكية هى أول ما عرفت مصر من أنظمة الحكم، يختلف الكثيرون حول ما إذا كان «فرعون» هو لقب الملك مشتقًا من «بر عا» بمعنى البيت الكبير، أو أنه اسم شخصى للملك الذى ذكر كل من العهد القديم والقرآن الكريم معاصرته للنبى موسى، إلا أن الأغلب يقولون بالرأى الأول، وهو الأكثر شيوعًا بين المشتغلين بالتاريخ.

وبعكس ما هو شائع، فإن الفرعون لم يكن إلهًا، وإنما كان صاحب «منصب مقدس»، وحتى تلك القدسية لم تكن قدسية «تشريف» بل كانت عن «تكليف»، فالمهمة الأولى للملك هى أن يحافظ على قدسية منصبه بالتزامه حماية «الماعت» وهى مبادئ العدل والحق والانضباط والتوازن، لتحقيق الاستقرار فى الدولة والمجتمع، أى أن قدسية منصبه كانت ترجع لمدى نجاحه فى حماية تلك الماعت.

والمَلَكية فى الحضارة المصرية القديمة تقترب من فكرة «الاستخلاف الإلهى للإنسان فى الأرض» فى الثقافة الإسلامية، فالملك هو تجسيد الإله حورس، أو بمثابة نائب عنه، بل وبالغ البعض فعدوه ابن للإله آمون- كما وصفت الملكة حتشبسوت نفسها على جدار معبد الدير البحرى- مما يعد أقدم نموذج لفكرة «الحق الإلهى فى الحكم»، بتوازن مثير للإعجاب بين ارتباط ذلك الحق بـ«شرعية توليه منصبه» من ناحية، ومسؤوليته أمام الآلهة الذين نصبوه عن القيام بمهام منصبه من ناحية أخرى.

والفرعون هو «سيد الأرضين»- مصر العليا ومصر السفلى- وهو المالك الأول للأراضى والثروات، والحاكم الأعلى للأقاليم، والقائد الأعلى للجيش، وإنما ينوب عنه فى إدارة ذلك كل من الوزير الأول وحكام الأقاليم وقادة الجيش، وإن جرت العادة فى عهود «الملوك المحاربين» أمثال «سقنن رع وكاموس وأحمس وأمنحتب الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى وسيتى الأول ورمسيس الثانى» أن يقود الملك جيشه فى معظم حملاته.

ولكى يكتسب الملك شرعية الولاية، كان ينبغى عليه أن ينحدر من دم ملكى من أبويه، أو أن يتزوج من صاحبة دم ملكى، سواء فى حال كانت أمه من غير ذوات الدم الملكى- ككل من تحتمس الثانى وتحتمس الثالث، حيث تزوج الأول من حتشبسوت لكون أمه محظية من الحريم وتزوج الثانى ابنة حتشبسوت لنفس السبب- أو إن لم يكن أى من أبويه من نسل ملكى، كما فى حالة حور محب، الذى تزوج موتنجمت أخت نفرتيتى، لاكتساب الشرعية لتوليه العرش.

ترتيب وراثة الحكم كانت الأسبقية فيه للابن الأكبر، الذى يُعلَن «أميرًا وراثيًا ووليًا للعهد»، فإن مات قبل أبيه انتقلت ولاية العهد لمن يليه، وهكذا.. وقد تحوم الشبهات فى كتب التاريخ حول قيام أمير بالتخلص من سابقيه فى ترتيب ولاية العهد، كما جرى مع تحتمس الرابع الذى كتب قصة مثيرة عن مكافأة أبوالهول له لإزالته الرمال عنه بتوليه العهد، إذ توفى «فجأة» كل إخوته السابقين له فى الترتيب، ليصير هو ولى العهد ووريث العرش.

وقد يحدث فراغ فى المنصب بوفاة الملك دون وريث ذكر، فيتم تعيين أحد أقاربه، كما جرى عندما توفى أمنحتب الأول بن أحمس دون وريث، فتدخلت جدته أحمس نفرتارى، ووضعت قريبه تحتمس الأول على العرش، وقد يتدارك الملك المنصب قبل وفاته فيعين أحد ثقاته وريثا له، كما فعل حورمحب بتعيينه صديقه القائد رمسيس أميرًا وراثيًا، ليصبح بعد ذلك الملك رمسيس الأول.

أما الملكة، فقد كانت شريكة للملك، وليست مجرد صاحبة منصب شرفى، بل كانت كذلك تنوب عنه أحيانًا فى مجلس الحكم، فى تشابه مع ما جاء فى أسطورة أوزيريس وإيزيس، من أن إيزيس قد نابت عن زوجها، عندما سافر فى رحلة لنشر الحضارة فى العالم، وتولت الوصاية على ابنها حورس حتى بلغ رشده واسترد عرشه المغصوب، وقد حملت لنا كتب التاريخ سير ملكات عظيمات، مثل توتيشيرى أم الملك الشهيد سقنن رع، التى تولت الوصاية على حفيدها كاموس بعد مقتل سقنن رع فى الحرب ضد الهكسوس، وإياح حتب أرملة سقنن رع ووالدة الملك أحمس، التى قادت الجيش حتى بلغ ابنها أشده، وأحمس نفرتارى زوجة الملك أحمس وشريكته فى الحكم، والملكة تى قرينة الملك أمنحتب الرابع، وقد بلغت حضارة مصر فى عهدهما قمة الازدهار.. وغيرهن.

كان تولى إمرأة منفردة منصب الملك أمرًا غير مقبول، فتحايلت عليه حتشبسوت بصياغتها قصة عن حمل أمها بها من الإله آمون ونبوءة الإله لوالديها عن أنها سترث عرش مصر، وكذلك كتابة اسمها بصيغة مذكرة فى الأوراق الرسمية، وتصويرها فى التماثيل بهيئة ذكورية.
هذا عن الملك فى مصر القديمة.. فماذا عن العلم؟

عرف المصريون القدماء شكلًا خاصًا للعلم، فكان عبارة عن رمز منحوت يعلو صارى طويل، كان الرمز قبل الوحدة هو زهرة البردى لمملكة الشمال، حيث كان نبات البردى ينمو فى مستنقعات الدلتا، وزهرة اللوتس لمملكة الجنوب لانتشارها فيها، أما بعد الوحدة فكانت الرموز تتنوع بين شعارات الآلهة الشهيرة، كعين حورس أو ريشة ماعت أو قرص الشمس وقرنا حتحور.

وأما عن الألوان، فكانت لأعلام مصر آنذاك أربعة ألوان لكل منها رمزيته، الأحمر رمز رمال الصحراء الساخنة التى تحمى وادى النيل من الغزاة، الأسود رمز الطمى الذى يحمله النيل ليمنح أرض مصر الخصوبة، الأخضر رمز الزرع فى حقول وادى النيل، والأبيض رمز نور الشمس التى تمنح الدفء، والمثير للتأمل أن ألوان العلم المصرى عبر التاريخ لم تخرج عن تلك الألوان.
وللحديث بقية إن شاء الله فى المقال المقبل.. يتبع.

زيارة مصدر الخبر