اليوم السابع, ثقافة 1 يوليو، 2025

المعرفة ليست ضارّة، وليس من الضروري أن نُصدّق كل ما نعرفه، لكنها، بصورةٍ ما، تُفيدنا في فهم طرق التفكير عند القدماء، لذا أحب العودة إلى كتب التراث والتأمل فيما تحمله من رؤى، خاصة كتب التاريخ، التي تُسلّط الضوء على بدايات الحياة على الأرض. ومن هذا المنطلق، نقرأ معًا ما أورده المسعودي في كتابه الشهير “أخبار الزمان”:

ذكر الاهتردة

وأما الاهتردة فهم من ولد عامر بن يافث نزلوا بين الروم والافرنج ومملكتهم واسعة، وملكهم جليل القدر ولهم مدن كثيرة وأكثرهم اليوم نصارى، ومنهم من لا دين له وهم يحاربون الإفرنج والصقالبة الذين يجاورونهم ويطردونهم، وزيهم زي الروم، ومنهم صنف يحرقون أنفسهم.

ذكر الافرنج

وأما الافرنج فهم ايضاً من ولد يافث ومملكتهم واسعة كبيرة، ولهم ممالك يجمعها ملك واحد ومدينتهم الكبرى يقال لها دريوه، وهم أيضاً نصارى وهم اليوم أربع عشرة قبيلة ووراءهم أجناس أخرى وأكثر اعتدائهم إلى الصقالبة، ولهم اتساع مملكة، وهم يحاربون الروم والاهتردة، ومنهم متجر وفيهم نصارى، ومجوس وزنادقة، ومنهم من يحرق نفسه.

مملكة الأندلس

الأندلس أربع وعشرون مدينة يملكهم ملك واحد إلا أن دينهم دين الصائبة، ولهم في هياكلهم أصنام للكواكب ثم انصرفوا عن ذلك وتنصروا وكانت لهم معرفة، وحكم وكان في دار مملكتهم بيت إذا ولي منهم ملك أقفل على بابه قفلا، إلى أن ولي ملكهم لذريق ولم يكن من أهل الملك فطلب أن يفتح أقفال ذلك البيت وكانت عدتها أربعة وعشرين قفلاً، فاجتمعوا إليه وسألوه أن لا يفعل وبذلوا له على ذلك جميع ما في أيديهم من الأموال فأبى إلا فتحها، فلما رأوا منه الجد تشاءموا به وتركوه، ففتح الأقفال ودخل البيت فوجد فيه صور العرب على الخيل والجمال، وعليهم العمائم الحمر وبأيديهم الرماح الطوال والقس وكتاب فيه “إذا فتح هذا البيت غلب على هذه البلاد قوم على صور هؤلاء ” ففتحت الأندلس في تلك السنة والتي بعدها تولى فتحها طارق بن زياد مولى موسى بن نصير في سنة اثنتين وتسعين أيام الوليد بن عبد الملك، وقتل ملكهم لذريق وسباهم وغنم، ووجد في ذلك البيت مائدة سليمان عليه السلام وكانت من ذهب عليها اطواق جوهر مفصلة، ووجد المرآة العجيبة الغريبة التي ينظر فيها إلى الأقاليم السبعة وهي مدبرة من أخلاط، ووجد فيها آنية سليمان من الذهب، والزبور منسوخاً بخط يوناني جليل بين ورقات ذهب مفصلا بجوهر، ووجد فيه اثنين وعشرين مصحفا محلاة كلها بالذهب منها التوراة ومصحفا آخر محلى بفضة فيه منافع الأشجار والأحجار.

وعمل الطلسمات، وكان مصحف فيه عمل الصبغة وأصباغ اليواقيت، ووجد فيه فقاعة كبيرة من حجر مملوءة اكسيد الكيميا مختومة بالذهب، فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك.

لما فتحت الأندلس نزلها المسلمون وتفرقوا في مدنها، وتملكوا أكثرها إلى أن صار إليها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في سنة ثمان وثلاثين ومائة فغلب عليها وتملكها فذريته إلى اليوم فيها.

زيارة مصدر الخبر