ثقافة, جريدة الدستور 14 يوليو، 2025

في مثل هذا اليوم من العام 1854؛ اغتيل والي مصر عباس حلمى الأول في قصره بمدينة بنها.حكم عباس حلمى الأول مصر بين عامي 1848 – 1854، ويعد أحد حكام الأسرة العلوية التابعة اسميا للدولة العثمانية، ويعتبر البعض عهده عهد رجعية حيث وقفت فيه حركة التقدم والنهضة التي ظهرت في عهد جده محمد علي باشا.ويعد كتاب “تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر” لـ عمر الإسكندري وسليم حسن من أبرز الكتب التي تناولت حياة وشخصية عباس حلمي الأول ابن طوسون بن محمد علي، الذي تولى حكم مصر وكان إذ ذاك يناهز السادسة والثلاثين من عمره، فكان أول عمل قام به أن هدم كل ما أفنى فيه جدُّه العظيم زهرة حياته، غير مفرِّق بين النافع والضار؛ فكما قضى على احتكار التجارة المجحف بحق الفلاح، نقص الجيش إلى تسعة آلاف، وأغلق المعامل والمدارس، واستغنى عن كثير من الموظفين الغربيين، وأظهر ميله إلى العادات والأنظمة التركية والبلدية.بعد موت محمد علي كادت مصر تكون نسيًا منسيًّا، لا أهمية لها في نظر أوروبا، لولا مرور تجارة الهند عن طريق مصر؛ وذلك لأن مَن خلفه من ذريته لم ينالوا تلك الصفات التي ميَّزته، وجعلته في مصافِّ عظماء الرجال في عصره.

“تاريخ مصر من الفتح العثماني”.. كتاب يكشف أسباب اغتيال عباس حلمى الأول
مضى عباس حلمى الأول معظم حكمه بمعزلٍ عن الناس، متهاونًا في شئون الملْك، غير مكترث بما في ذلك من الضرر. ولعل له عذرًا في ذلك؛ إذ إنه لمَّا شاهد فشل حروب الشام بقيادة إبراهيم باشا، ورأى سقوط جده الكبير والقضاء على كل آماله، رأى أنه من العبث مقاومة أوروبا، وأدرك أن البلاد في حاجة إلى السكينة والراحة، وأن لا داعي إلى المظاهر الأوروبية الكاذبة التي كان يعتقد أنها تسربت إلى مصر قبل ميعادها. تلك كانت خطته. ولما رأى أنه يحيط به قطيع من الذئاب الغربية، وطائفة من الموظفين المتملقين الذين لا همَّ لهم إلا جمع الثروة من حوله، اعتزل جميعهم إلا نفرًا قليلًا من سفراء الدول وخدمه الخاصة؛ فكانت حياته سرًّا غامضًا. وقد ذمَّه كثيرون من أجل ذلك، ولكن كفاه فخرًا أنه خلَّص الأمة من نهب الأجانب في مدة حكمه، ولم يُثقل كاهلها بشيء من الديون كما فعل غيره من بعده.وفي أيامه أُنشئ عباس حلمى الأول أول خط حديدي في مصر، بل في ممالك الشرق بأجمعها؛ وذلك هو الخط الممتد بين الإسكندرية والقاهرة، وقد قام بهذا المشروع «رُبَرْت استيفِنْسُنْ» مخترع القُطُر البخارية؛ إذ أخذ على عاتقه جلب كل المهمات اللازمة لمَدِّه، وابتدأ العمل سنة (١٢٦٨ﻫ/١٨٥٢م)، وتمَّمه في عام (١٢٧٢ﻫ/١٨٥٦م)، وكان الموعز لمدِّ هذه السكة الحكومة الإنجليزية لتسهيل نقل البريد والمسافرين بين الهند وأوروبا عن طريق مصر، وقد عارضت في الأمر الحكومة الفرنسية؛ فسبَّب ذلك بعض التأخير في إنجاز المشروع.وكان عباس حلمى الأول يريد حرمان عمه «سعيد» من الملْك بعده ليكون لابنه «إلهامي»، فأتت المقادير على عكس ما أراد؛ إذ قُتل فجأة في قصره في بِنْها، وكان ابنه إلهامي غائبًا عن الديار المصرية، فورث الملْك سعيد باشا بدون أدنى معارضة، وذلك في (ذي الحجة سنة ١٢٧٠ﻫ/١٢ يوليو سنة ١٨٥٤م).وبحسب الكتاب، كثرت الشائعات عن سبب مقتل عباس حلمى الأول؛ فالمتداول على الألسن أن خصيين قتلاه خنقًا وهو نائم في فراشه. وقال آخرون إنه قُتل بإيعاز بعض أقربائه الذين كانوا يريدون نزعه من ولاية الملك. وهناك فريق آخر يَعزي سبب قتله إلى أسباب سياسية، وكُتم خبر موته عدة أيام، ثم نُقلت جثته من بنها إلى قصره بالعباسية، ومنها نُقلت إلى مقرها الأخير بقرافة الإمام الشافعي بالقاهرة. 

زيارة مصدر الخبر