فى أعماق غابات الأمازون البيروفية، يتدفق نهر فريد من نوعه يكاد يغلى، تصل حرارته إلى نحو 100 درجة مئوية، ليصبح شاهدًا حيًا على عظمة الطبيعة وغموضها، يُعرف النهر باسم شاناى – تيمبيشكا، أو “المغلى بحرارة الشمس” كما يسميه السكان المحليون، ويعتبر بالنسبة للعلماء مختبرًا طبيعيا لدراسة التنوع البيولوجى والتغير المناخي، بينما يراه سكان المنطقة ككائن حى يجب حمايته.
هذه الظاهرة المذهلة ليست مجرد خيال أو أسطورة، فهى نتيجة لتفاعل معقد بين الجيولوجيا والبيئة المحلية، وفق الباحث البيروفى أندريس روزو، فإن مياه الأمطار تتسرب عبر صدوع صخرية عميقة، ثم تُسخن بفعل حرارة باطن الأرض قبل أن ترتفع إلى السطح. هذا النظام النادر يجعل نهر شاناي-تيمبيشكا أحد أكثر الأنهار غرابة فى العالم، ويستقطب اهتمام العلماء والمغامرين على حد سواء.
وليست النهر المغلى فى بيرو، فقط، لكن يوجد عديد من الظواهر المائية الساخنة حول العالم:
النهر المغلى فى الأرجنتين: فى جبال الأنديز الشرقية، تتدفق مياه ساخنة من منابع جوفية، تصل حرارتها إلى مستويات قريبة من الغليان نتيجة النشاط البركانى تحت سطح الأرض، هذه الظاهرة تجذب الزوار والباحثين، وتبرز التنوع الجيولوجى فى أمريكا الجنوبية.
البحيرة المغلية فى درمينيكا: بحيرة تتغير مستوياتها بسرعة أحيانا، وتغذيها الغازات الصاعدة من ماجما تحت الأرض، لتشكل منظرا يخطف الأنظار ويثير الفضول العلمى.
ينابيع يلوستون الحارة فى الولايات المتحدة: ألوانها الزاهية ليست فقط جمالًا بصريًا، بل نتيجة نشاط ميكروبى متطرف يشبه أقدم أشكال الحياة على الأرض، وقد وفرت هذه البيئات متسعًا كبيرًا للدراسات العلمية والتطبيقات الطبية والصناعية.
نهر ريو تینتو فى إسبانيا: مياهه حمراء وحامضية بشكل شديد نتيجة أكاسيد الحديد والنشاط الميكروبى، مما يجعلها بيئة متطرفة تحتضن كائنات دقيقة نادرة.
غلاية الشيطان فى مينيسوتا، الولايات المتحدة: حفرة صخرية يختفى فيها جزء من النهر تحت الأرض، وتظل محاطة بالأساطير الشعبية التى زادتها غموضًا وسحرا.
وتعامل البشر مع هذه الظواهر المتطرفة يختلف من مكان لآخر، ففى الأمازون، تُعد بعض الأنهار الساخنة مقدسة وتُروى حولها أساطير متوارثة، بينما تُعتبر فى أماكن أخرى خطرة وتحذر السلطات السكان والزوار منها، وقد وثّقت التقارير المحلية وحوادث الباحثين سقوط حيوانات أو أشخاص فى المياه الساخنة، ما يذكر بأن الطبيعة يمكن أن تكون ساحرة وقاتلة فى الوقت نفسه.
فى الأرجنتين، على سبيل المثال، أصبح النهر المغلى مقصدًا سياحيًا للباحثين وعشاق المغامرة، لكن السلطات تؤكد ضرورة الحذر، لتفادى الحوادث نتيجة درجات الحرارة المرتفعة.
وتُعد هذه الظواهر فرصة ذهبية لفهم العمليات الجيولوجية والبيئية النادرة، دراسة انتقال الحرارة والطاقة فى قشرة الأرض بعيدا عن النشاط البركانى التقليدى يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للعلوم الجيولوجية والهيدرولوجية.
كما توفر هذه البيئات النادرة دراسة للكائنات الدقيقة التى تتحمل الظروف القاسية، والتى قد تحتوى على جينات وإنزيمات ذات استخدامات محتملة فى الطب والصناعة. على سبيل المثال، ميكروبات يلوستون أو النهر الأحمر فى إسبانيا تقدم دلائل حية على قدرة الحياة على التكيف فى أقصى الظروف، ما يوسع فهم العلماء لتطور الحياة على الأرض وربما على كواكب أخرى.
على الرغم من جمالها العلمى والطبيعى، فإن هذه المواقع معرضة للتدهور بسبب السياحة غير المنظمة والتلوث والنشاطات البشرية الأخرى مثل التعدين. حماية هذه الظواهر تتطلب سياسات بيئية صارمة، وإشراك المجتمعات المحلية فى إدارة الموارد الطبيعية لضمان التوازن بين الاستكشاف والحفاظ على البيئة.