بعد سنوات من تصنيف مصر وعدد من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لمنظمة الإخوان منظمة إرهابية وحظر أنشطتها، اتسعت التحركات فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية لاتخاذ خطوات مماثلة، بعدما أدركت الدول المختلفة حقيقة الجماعة وخطابها المتطرف، ومحاولاتها الدائمة لاختراق المجتمعات واستغلال الثغرات القانونية لنشر التطرف والإرهاب.وبعد سنوات من تأجيل المواجهة اتخذت عدة دول خطوات ملموسة باتجاه حظر الجماعة، والتصدى لأنشطتها الهدامة، مع إصدار قرارات مختلفة لحظر بعض أنشطتها وإغلاق عدد من المنظمات التابعة لها، فضلًا عن مناقشة برلمانية لمشروعات قوانين تدعو إلى الحظر الشامل لجماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولى، وكذلك الكيانات التابعة لها، فى إطار تشديد سياسات مكافحة التطرف والإرهاب. الولايات المتحدة: تصنيف الجماعة ومنظمة «كير» «منظمات إرهابية أجنبية» قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية، إن حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، أعلن عن أن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير CAIR» وجماعة الإخوان يُصنفان كـ«منظمات إرهابية أجنبية»، وأنهما أصبحا محظورين، بموجب هذا الإعلان من اقتناء أى ممتلكات فى الولاية، مخوّلًا المدعى العام اتخاذ إجراءات قانونية لإغلاق الكيانات المرتبطة بهما.وأوضحت «الجارديان» أن الإعلان يشكل تصعيدًا كبيرًا فى مواجهة «أبوت» مع المنظمات المتطرفة فى تكساس.ونقلت عن «أبوت» قوله فى بيان رسمى: «الإجراءات التى قامت بها جماعة الإخوان ومنظمة كير لدعم الإرهاب حول العالم وتقويض قوانيننا من خلال العنف والترهيب والمضايقات غير مقبولة، هؤلاء المتطرفون الراديكاليون غير مرحب بهم فى ولايتنا، وهم الآن ممنوعون من الحصول على أى حقوق ملكية عقارية فى تكساس».وأشارت إلى أنه، فى أغسطس الماضى، قال وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، إن جماعة الإخوان ومنظمة «كير» تخضعان حاليًا لمراجعة شاملة ضمن إطار مراجعة أوسع لتصنيفات الإرهاب، موضحًا أن العقبات القانونية تمثل عائقًا أمام فرض عقوبات إرهابية على الجماعات الإسلامية، خاصة أن جماعة الإخوان تمتلك عدة فروع، ويجب تصنيف كل فرع على حدة.وأضاف أن الولايات المتحدة تقوم باستمرار بمراجعة المجموعات لتحديد ما إذا كانت داعمة للإرهابيين أو إرهابية بحد ذاتها، مؤكدًا أن هناك فجوة كبيرة فى التصنيفات تتطلب جهود متابعة مستمرة.ونوه «روبيو» إلى أن أى تصنيف من هذا النوع سيكون عرضة للطعن أمام القضاء، قائلًا: «يمكن لأى مجموعة أن تقول، أنا لست منظمة إرهابية، وعندها يجب تقديم الأدلة، كما لو كنت تحل مسألة رياضية أمام المحكمة، ويكفى قاضٍ اتحادى واحد، وهناك العديد منهم، لإصدار قرارات قضائية على مستوى الدولة قد تؤثر على تطبيق هذه التصنيفات، لذا يجب أن نكون حذرين للغاية».وفى الإطار نفسه، أوضحت وكالة «أسوشيتيد برس» الأمريكية، أنه لا الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبى صنفت جماعة الإخوان بالكامل منظمة إرهابية، لكن القوائم الأمريكية والبريطانية تشمل بعض فروعها، كما قدم بعض أعضاء الكونجرس الأمريكى مشاريع قوانين لحث الإدارة على تصنيف الإخوان منظمة إرهابية، إلا أن أى إدارة لم تنفذ ذلك حتى الآن. الاتحاد الأوروبى: حماية القيم الأوروبية من شرور الجماعات الراديكالية فى مايو الماضى، أعلنت فرنسا والنمسا عن توحيد جهودهما لمراقبة التمويلات الأوروبية الموجهة إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة، فى خطوة تهدف إلى حماية القيم الأوروبية من النفوذ الأيديولوجى للجماعات الراديكالية.وأفادت صحيفة «ذا ناشينال» الدولية، بأن بنجامين حداد، الوزير الفرنسى المكلف بشئون أوروبا، التقى كلوديا بلاكولم، وزيرة أوروبا النمساوية، لبلورة موقف مشترك من هذا الملف، وأكدا ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة على مستوى الاتحاد الأوروبى لمكافحة خطاب الكراهية والتحريض والتطرف.وذكرت «بلاكولم»، عبر حسابها على منصة «إكس»، أن هناك حاجة لاتخاذ خطوات عملية ضد الكراهية والتحريض على الصعيد الأوروبى، بينما أوضح «حداد» أن الحكومتين تسعيان إلى كشف المنظمات المرتبطة بالتطرف التى استفادت من التمويل الأوروبى.وشمل التعاون تدابير لضمان عدم تقديم الوكالات الأوروبية تمويلات للجماعات والأفراد المعارضين للقيم الأوروبية.وأشار الملف الأوروبى إلى بعض مصادر التمويل المثيرة للجدل، من بينها ٩.٨ مليون يورو من المجلس الأوروبى للبحوث لمبادرة، أطلقت عام ٢٠١٩ لإنشاء «قرآن أوروبى»، إضافة إلى ١٨.٨ مليون يورو لمشاريع تديرها منظمة «Islamic Relief Worldwide».وقال برونو ريتايو، وزير داخلية فرنسا سابقًا، خلال لقاء فى لندن هذا العام، إن هناك تقريرًا رسميًا جمع «كلمات الكراهية» التى روّج لها قادة جماعة الإخوان مثل يوسف القرضاوى، مؤكدًا أنه لن يخلط أبدًا بين الدين الإسلامى وبين هذه الكراهية الإسلاموية التى تشوه الدين.وأضاف أن التقرير أثار أسئلة حول كيفية صياغة الإطار القانونى للتدخل ومعالجة التحديات التى تهدد التماسك الوطنى الفرنسى، مشيرًا إلى ضرورة فتح النقاش العام والسياسى، لأن الإخوان يتقدمون «تحت الغطاء».ويسعى عرض «حداد» و«بلاكولم» إلى اعتماد إجراءات فلترة تعتمد على إرشادات واضحة تمكن الجهات الممولة من التعامل مع مفاهيم مجردة مثل «العداء للقيم الأوروبية»، مع التركيز على تدقيق الجهات المتقدمة للتمويل وكذلك الأفراد المرتبطين بالعمليات.وحسب مجلة «أتالايار» الإسبانية، فقد حذرت الدكتورة فلورنس بيرجو- بلاكلييه، عالمة الأنثروبولوجيا، باحثة فى المركز الوطنى الفرنسى للبحث العلمى، رئيسة المركز الأوروبى للدراسات والمعلومات- من أن مكافحة الجهادية ليست كافية إذا لم يجر مواجهة جماعة الإخوان، التى وصفتها بأنها أكثر خطورة وضررًا لأنها تعمل بصمت وتستغل مخاوف أوروبا من الإسلاموفوبيا لتوسيع نفوذها.وأكدت بيرجو- بلاكلييه أن الحكومات الأوروبية لم تتصد لعقود لنشاطات الإخوان والسلفية السلطوية، على الرغم من أن كليهما يمثل ركيزتين أساسيتين للإسلام السياسى الذى يضر المجتمع منذ ثلاثة عقود.وتابعت المجلة الإسبانية أن بيرجو- بلاكلييه تعرضت نفسها للمضايقات والتهديدات من جماعة الإخوان بعد نشر كتابها «الإخوان المسلمون وشبكاتهم» عام ٢٠٢٣، ما اضطرها لوضعها تحت حماية الأجهزة الأمنية الفرنسية، لكنها أصرّت على مواجهة الفكر المتطرف للجماعة رغم إلغاء العديد من المؤتمرات التى كان من المقرر أن تشارك فيها.فى كتابها، أوضحت بيرجو- بلاكلييه كيف استطاعت جماعة الإخوان توسيع نفوذها داخل المجتمعات الأوروبية، عبر الاعتماد على المؤسسات الرسمية وغير الحكومية، وتدمير قيم حقوق الإنسان، وتوظيف المعرفة الإسلامية لأغراض أيديولوجية. وأوضح الناشر أن الكتاب ليس هجومًا على الدين أو المسلمين، بل تحذيرًا مسبقًا من حركة سياسية تهدف لاستغلال المسلمين لفرض استراتيجية إسلامية فى الدول غير المسلمة فى جميع المجالات؛ الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والبيئية.وبعد عامين من نشر الكتاب، أصدرت السلطات الفرنسية تقريرًا أمنيًا رسميًا فى مايو ٢٠٢٥، أكد أن جماعة الإخوان تشكل تهديدًا للوحدة الوطنية الفرنسية، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات للحد من انتشار الإسلام السياسى وتأثيره على المجتمع.وحذر التقرير من أن الجماعة تعتمد على السرية والخطاب المزدوج لاختراق المؤسسات والمجتمع، موضحًا تفاصيل الهيكل التنظيمى السرى للإخوان فى أوروبا، والذى يشمل مستويات متعددة من العضوية، ويدير مئات المساجد والمراكز التعليمية فى فرنسا وألمانيا، مستخدمًا إياها لنشر أيديولوجية الإسلام السياسى وبناء تأثير موازٍ داخل المجتمعات المسلمة.فى نهاية مايو، أشار عدد من أعضاء البرلمان الأوروبى إلى نفوذ الإخوان فى الاتحاد الأوروبى، لافتين إلى تقرير الحكومة الفرنسية وتصاعد الإسلام السياسى المتطرف، ووصفوا تعامل المفوضية الأوروبية مع الظاهرة بأنه «ساذج».وأكد النواب أن الشبكة الإخوانية تعمل على الضغط على المؤسسات الأوروبية، ما جعلها شريكًا منتظمًا للمفوضية الأوروبية وتستفيد من منح سخية. ويشمل ذلك منتدى الشباب الأوروبى ومنظمات الطلبة المسلمين الأوروبيين، والذراع الشبابية لمجلس المسلمين الأوروبيين، إضافة إلى منظمات مثل «Islamic Relief Worldwide».وأبدت وزارة التعليم العالى الفرنسية قلقها من المشاريع الجامعية الممولة عبر برنامج «Erasmus+»، والتى تتضمن أنشطة متطرفة.ويذكر تقرير صحيفة «لو فيجارو» الفرنسى، أن الإخوان يديرون ١٣٩ مكان عبادة فى فرنسا، تمثل ٧٪ من إجمالى المساجد، و١٠٪ من المساجد التى بنيت بين ٢٠١٠ و٢٠٢٠، رغم أن الاتحاد الفرنسى للمسلمين يعلن عن ٥٣ جمعية فقط، بينما يكشف التقرير عن وجود ٢٨٠ جمعية مرتبطة بالإخوان فى مختلف المجالات الدينية، والخيرية، والتعليمية، والمهنية، والشبابية والمالية. ويقدر الخبراء أن القيادة الفعلية للجماعة السرية تتكون من نحو ٤٠٠ شخص بميزانية تقارب ٥٠٠ ألف يورو، مستفيدين من أموال الوقف والاستثمارات العقارية، مع تمويل أجنبى، حتى عام ٢٠١٩. فرنسا: إغلاق مدرسة لتدريب أئمة التطرف وتوجيهات رئاسية بمواجهة «الإسلام السياسى» فى مايو الماضى، وجه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الحكومة الفرنسية بإعداد مقترحات لمعالجة تأثير حركة الإخوان وانتشار الإسلام السياسى فى فرنسا، ضمن جهود أوروبية أوسع للحد من النفوذ الأيديولوجى لهذه الجماعات.وحول ذلك، أوضحت صحيفة «لو فيجارو» أن وزير الداخلية الفرنسية اتخذ قراره، مطلع سبتمبر الماضى، بإغلاق المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية (IESH)، وهو مدرسة لتدريب الأئمة، بعد اتهامات له بترويج إسلام راديكالى وإضفاء الشرعية على الجهاد المسلح.وأشارت إلى أن وزير الخارجية الفرنسى أكد، عبر حسابه على منصة X، أن هذا الإجراء «يأتى فى إطار الاستمرار فى مكافحة النفوذ الذى تمارسه جماعة الإخوان على الأراضى الفرنسية». وقال الوزير إن المعهد «تم حله بناءً على طلبه، مشيدًا بـ«جهود الأجهزة الحكومية التى تكافح يوميًا لضمان عدم تمكين الإخوان من تنفيذ أجندتهم الإسلاموية».كما أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن المعهد، الذى تأسس عام ١٩٩٢ بمبادرة من اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا «UOIF» مرتبط بالجماعة الإخوانية ويشكل جزءًا من شبكة مؤسساتها التعليمية والثقافية.كانت السلطات قد داهمت مقرات المعهد فى نهاية عام ٢٠٢٤، ضمن تحقيق أجراه المكتب المركزى لمكافحة الجريمة المالية الكبرى «OCRGDF»، فى إطار شبهات تتعلق بعدم الإفصاح عن تمويلات أجنبية.ومن ناحيته، رفض عميد المعهد، لارابى بشيرى، هذه الاتهامات، وقال فى تصريحات لوكالة «فرانس برس» إن المعهد «لم يتلق أى تمويل أجنبى منذ تطبيق القانون»، وإن آخر تمويل قطرى يعود لعام ٢٠١٨ وكان مصرحًا به. ألمانيا: مناقشات برلمانية لقانون يقضى بحظر التنظيم والحد من مخاطره فى ألمانيا، قالت شبكة «يورو نيوز» الأوروبية إن وزارة الداخلية الألمانية طلبت رسميًا من الاتحاد التركى الإسلامى للشئون الدينية «DITIB»، الفرع الألمانى لرئاسة الشئون الدينية التركية «ديانات»، الابتعاد الواضح عن الخطاب المتطرف، فى سياق تزايد القلق الألمانى من شبكات دينية مدعومة من الإخوان لا تزال تمارس نفوذها على المجتمعات المسلمة فى ألمانيا.وقال متحدث باسم الوزارة لصحيفة «دى فيلت» الألمانية إن الحكومة تتوقع من جميع المنظمات المتعاونة مع السلطات الاتحادية أن تبعد نفسها بوضوح عن الهياكل أو الأفراد الذين يروجون لـ«سرديات معادية للسامية أو يسعون لتحقيق أهداف إسلامية سياسية».وأشارت الصحيفة إلى أن المسئولين الألمان كرروا المخاوف حول أن الأئمة، الذين تعيّنهم الحكومة التركية ويدفعون من قبلها، يعانون من ضعف الاندماج فى المجتمع الألمانى، ويفتقرون غالبًا لمهارات اللغة الألمانية، ويظلون سياسيًا مرتبطين بأنقرة، ما يثير تساؤلات حول قدرتهم على أداء دورهم الروحى فى بيئة متعددة الثقافات.فيما أكدت صحيفة «ينى شفق» التركية أن لجنة الشئون الداخلية فى البرلمان الألمانى بدأت مطلع العام الحالى مناقشات حول مشروع قانون يقضى بحظر جماعة الإخوان فى ألمانيا، فى خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن الداخلى ومكافحة التطرف السياسى.وأشارت إلى أن المشروع، الذى قدمه حزب «البديل من أجل ألمانيا»، تحت عنوان: «ضمان الأمن الداخلى على المدى الطويل: أولوية مكافحة الجريمة والإرهاب ومعاداة السامية»، يدعو إلى حظر نهائى للمنظمات الإسلامية والمعادية للسامية، مع التأكيد على أن أى إجراءات تتخذ تتوافق مع سيادة القانون، وتم تحديد جماعة الإخوان وكياناتها المرتبطة كأهداف رئيسية للحظر.وحث الحزب، فى مشروعه، على اتخاذ إجراءات تنفيذية ملموسة، خصوصًا تجاه رابطة المسلمين الألمان «DMG»، الفرع الرئيسى للإخوان فى ألمانيا، إضافة إلى منظماتها التابعة. كما طالب السلطات بمراجعة جمعيات المساجد للتحقق من محاولات الاختراق المحتملة من قبل الإخوان، خاصة فيما يتعلق ببرامج تدريب الأئمة، وتعزيز الأيديولوجيات الإسلاموية، والتأثير الأجنبى، مع الدعوة إلى اتخاذ خطوات فورية للحد من هذه المخاطر.وشمل المشروع أيضًا إعادة تقييم سياسات مكافحة التطرف والإرهاب، لضمان انعكاسها للتهديدات الفعلية والموثقة إحصائيًا المتعلقة بالجرائم العنيفة ذات الدوافع السياسية، فى محاولة لتعزيز الاستراتيجية الألمانية الشاملة لمواجهة التطرف.
أخبار عالمية, جريدة الدستور
19 نوفمبر، 2025