هل فكرت من قبل لماذا قد تميل أحيانا إلى شراء أشياء لا تحتاجها على الإطلاق خاصة مع مواسم التخفيضات كـ”البلاك فرايداي” وتدفق العروض والإعلانات من كل مكان؟ ولماذا تشعرك عبارات مثل “آخر فرصة” أو “العرض ينتهي اليوم” بصعوبة التمييز بين الحاجة الحقيقية والرغبة اللحظية؟ الإجابة قد تكمن في ما يعرف بـ “التسوق القهري”.
– ما هو التسوق القهري أو العاطفي؟
أوضحت د. هاجر الششتاوي، الطبيب النفسي بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، في تصريحات لـ”الشروق”، أن التسوق القهري، رغم كونه غير مصنف كاضطراب مستقل، يعتبر عرضا ضمن اضطرابات التحكم في الاندفاع ويظهر غالبا مع أعراض أخرى. ويشير إلى حالة يقوم فيها الشخص بشراء أشياء لا يحتاجها غالبا بسبب خلل في دوائر الدماغ المسئولة عن التحكم في الاندفاع والمكافأة، أو اعتقاد خاطئ بأن الشراء يحسن حالته النفسية.
ويرتبط السلوك بشعور مؤقت بالراحة والسعادة بعد الشراء، لكنه سرعان ما يتحول إلى شعور بالذنب. وقد ينشأ أيضا نتيجة خلل في التنظيم الذاتي أو ضعف الوظائف التنفيذية، أو كآلية دفاعية لتخفيف الضيق والقلق، إذ يثبط إفراز الدوبامين المشاعر السلبية مؤقتا. غير أن هذا التأثير قصير ويؤدي إلى حلقة قهرية متكررة تربط بين القلق والحاجة المستمرة للشراء.
وهم المكافأة والندرة.. كيف تعزز الخصومات السلوك القهري؟
وأشارت إلى أن فكرة الخصومات تلعب بشكل أساسي على ما يعرف بدائرة المكافأة عبر توليد توقع مسبق بحدوث متعة من عملية الشراء. كما يعزز وهم الندرة تشوهات معرفية توهم الفرد بأنه إذا لم يشترِ المنتج الآن فسيفوته للأبد، أو بأن العرض لا يعوض حتى لو لم يكن حقيقيا، ويضاف إلى ذلك ضغط الوقت وهو أحد العوامل التي يتعامل معها المخ باعتبارها تهديدا، فيسعى الإنسان إلى إنهاء هذا الشعور سريعا عبر اتخاذ قرار الشراء لتخفيف القلق.
وفي حالات أخرى، يلعب الشعور بالذنب دورا مهما فبعض الأشخاص الذين يشعرون بالذنب عند الإنفاق أو شراء المنتجات مرتفعة الثمن يجدون في الخصومات فرصة تبريرية، تقنعهم بأن الشراء الآن سيجنبهم الشعور بالذنب لاحقا. كما يلجأ آخرون ممن يعانون مشكلات في تقدير الذات إلى الشراء لاكتساب شعور بالقيمة.
ومع ذلك تؤكد التجربة أن الأشخاص الذين لا يعانون من هذه المشكلات يتعاملون مع الخصومات بهدوء أكبر ويتخذون قرارات أكثر حكمة فليس كل من يشتري كثيرا أو يحب التسوق يعاني اضطرابا نفسيا، ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالبهجة عند الحصول على منتج بسعر أقل من المعتاد.
– أساليب التسويق المستخدمة في دفع المستهلك للشراء
وتؤكد د. شيماء عز الدين، الأستاذ المساعد بقسم الاتصالات التسويقية بكلية الإعلام جامعة عين شمس، أن المتاجر والمنصات الإلكترونية باتت تعتمد على منظومة متكاملة من التقنيات الدعائية التي تستهدف دفع المستهلك لاتخاذ قرار شراء سريع حتى في غياب حاجة حقيقية فالاستراتيجبات التسويقية معتمدة في الأساس على الجانب النفسي بشكل كبير، وتشير إلى أن أبرز هذه الأساليب هو الاعتماد على ما يعرف باستراتيجية فوات الفرصة، وذلك عبر حملات مركزة تستخدم فيها عبارات مثل “الحق العرض قبل ما يخلص”، “بكرة آخر يوم” أو “عرض لمدة 24 ساعة فقط”.
وأضافت في حديثها مع “الشروق”، أن الشركات تصاحب هذه الرسائل بعروض تبدو مبهرة من حيث الأسعار أو شكل العرض، بهدف جذب أكبر عدد من المستخدمين وتحفيزهم على الشراء الفوري بدون دراسة للأمر.
وتلفت عز الدين إلى أن بعض هذه العروض قد تكون غير حقيقية، إذ تلجأ بعض المتاجر لرفع السعر الأصلي قبل فترة الخصومات ثم إعادة طرحه كسعر مخفض، في محاولة لإقناع الجمهور بوجود توفير فعلي. وتؤكد أن هذه الممارسات يتم تكثيفها بشكل ملحوظ في المواسم الخاصة مثل عروض البلاك فرايداي وهي ظاهرة تجارية مستوردة، تستغلها الشركات لتعظيم حجم المبيعات عبر تسويق مكثف وعروض متتابعة، ما يفسر الارتفاع الكبير في معدلات الشراء القهري خلال هذه الفترات.
– المراجعات والمحتوى وتأثيرهما على القرار الشرائي
وتشير عز الدين إلى أن المحتوى التسويقي الرقمي أصبح جزءا أساسيا من الاستراتيجيات الحديثة، حيث تعتمد العلامات التجارية على الظهور المستمر عبر الإعلانات والمنشورات، وتصممه بما يتناسب مع الخوارزميات التي تعرض محتوى مشابه لأي تفاعل، ما يحاصر المستهلك بإغراءات الشراء على كل المنصات.
كما تؤكد أن مراجعات المستخدمين والبلوجرز، ضمن ما يعرف بـ التسويق عبر الكلمة المنطوقة تمثل قوة كبيرة، إذ يمكن لتكرار توصيات منتج واحد أن يخلق رغبة لدى الجمهور، خاصة من يميلون لتجربة الجديد أو لديهم شغف بالمحتوى الترويجي.
وتضيف أن هذه الأدوات تعمل معا لإعادة تشكيل قرار الشراء وزيادة احتمالات الشراء المتكرر أو الاندفاعي.
– علامات الإصابة بالتسوق القهري
وأوضحت د. هاجر الششتاوي أن التسوق القهري يتقاطع مع اضطرابات التحكم في الانفعالات في عدة علامات من أبرزها:
1- العجز المستمر عن السيطرة على السلوك رغم محاولة الحد منه ومعرفة عواقبه.2- الاستمرار في الإنفاق رغم الوقوع في الديون أو غياب الحاجة الفعلية.3- ارتباط السلوك بالمشاعر السلبية، بحيث يصبح التسوق وسيلة للهروب من القلق أو الإحباط.4- استهلاك وقت وطاقة كبيرين في التفكير في الشراء أو التخطيط له بما يتجاوز الحد الطبيعي فيتحول الشخص من متحكم في السلوك إلى خاضع له.5- الشعور بالخزي والحاجة لإخفاء التعلق المرضي بالتسوق.
– كيف نحافظ على علاقة صحية مع التسوق؟
وتؤكد ان العلاقة الصحية مع التسوق من التعرف على محفزات الشراء وأن نسأل أنفسنا هل نريد هذا المنتج فعلا؟ أم أن الدافع هو الملل أو التوتر؟، ويمكن تسجيل يوميات المشتريات لمدة معينة، وتدوين الدافع وراء كل عملية شراء، وما شعرت به بعدها، وما ترتب عليها، بهدف فهم الذات وزيادة الوعي بالمحفزات الأساسية للسلوك بالإضافة إلى تقليل التعرض للإعلانات في مواسم العروض.
وعند ملاحظة تفاقم الحالة يجب اللجوء لمختص، حيث يتم علاج التسوق القهري عبر العلاج المعرفي السلوكي الذي يساعد المريض على ضبط الاندفاع، وتصحيح الأفكار المرتبطة بالشراء وإدراك المشكلة بشكل أوضح. وتشمل إدارة الاندفاع تقنيات مثل الانتظار قبل اتخاذ قرار الشراء، والالتزام بميزانية محددة، وتخفيف التوتر بتمارين التنفس، وتنمية مهارات التعامل مع المشاعر السلبية.
اقتصاد, بوابة الشروق
22 نوفمبر، 2025