تلقت حكومة سعد زغلول في مثل هذا اليوم من سنة 1924 إنذارا بريطانيا عقب مقتل سردار الجيش المصري وحاكم السودان السير لي ستاك يوجب إعلان الاعتذار وتقديم التعويض اللازم وسحب القوات المصرية من السودان، وقد وافقت الحكومة المصرية على هذه المطالب فيما عدا ما يتعلق بالسودان، ولما أصر البريطانيون على مطالبهم استقال سعد زغلول احتجاجًا على ذلك.
جنازة السير لى ستاك
كانت جنازة السير لى ستاك بعد ثلاثة أيام من اغتياله أثناء عودته من مكتبه بوزارة الحربية إلى منزله بحى الزمالك الساعة الثانية بعد ظهر 19 نوفمبر 1924، حسب أحمد شفيق باشا فى موسوعته حوليات مصر السياسية – الحولية الأولى 1924 قائلا: كان خمسة متربصين له فى شارع الطرقة الغربى، فلما مرت سيارته به أطلقوا عليها الرصاص، وفر الجناة راكبين سيارة، وألقى أحد المعتدين قنبلة يدوية عقب ارتكاب الحادثة إرهابا لمن كان يريد أن يتتبعهم، ولكنها لم تنفجر، وأطلق أحد المعتدين عيارا ناريا على العسكرى رقم 309 من بلوك الخفر أحد حراس وزارة المعارف، حينما أراد أن يتتبعه، وأصيب السردار فى بطنه إصابة خطيرة وفى يده ورجله، وأصيب ياوره فى ذراعه، والسائق وعسكرى بلوك الخفر، وضبط سائق السيارة التى ركبها الجناة».
ويؤكد شفيق: “فى 22 نوفمبر احتفل بجنازة السردار احتفالا مهيبا اشترك فيه الجيشان المصرى والبريطانى، وسار الموظفون فى الموكب مرتدين كسوة التشريفة، واشتركت جميع الهيئات المصرية والأوروبية فى تشييع الجنازة يتقدمهم «أللنبى» المندوب السامى البريطانى، وكبير الأمناء نائبا عن الملك فؤاد، والأمراء، وسعد زغلول باشا رئيس الحكومة، وأحمد زيور باشا رئيس مجلس الشيوخ، وأحمد مظلوم باشا رئيس النواب، والوزراء وقناصل الدول” وبعد الجنازة وتحديدا فى الساعة الرابعة والدقيقة الخمسين، ذهب أللنبى يتقدمه مائتان وخمسون جنديا بريطانيا من حملة الرماح، ويتبعه مثلهم إلى مجلس الوزراء، وقابل رئيس الحكومة سعد زغلول باشا، وقدم بلاغين له محررين بالإنجليزية.
بلاغات وإنذارات
حدد البلاغ الأول، سبعة مطالب هى: أن تقدم حكومة مصر اعتذارا كافيا وافيا عن الجناية، وأن تتابع بأعظم نشاط وبدون مراعاة للأشخاص البحث عن الجناة، وتنزل بالمجرمين أشد العقوبات، وتمنع وتقمع بشدة كل مظاهرة شعبية سياسية، وتدفع فى الحال إلى الحكومة البريطانية غرامة نصف مليون جنيه، وتصدر فى خلال 24 ساعة الأوامر بإرجاع جميع الضباط المصريين ووحدات الجيش المصرى البحتة من السودان، مع ما ينشأ عن ذلك من التعديلات التى ستعين فيما بعد، وأن تبلغ المصلحة المختصة أن حكومة السودان ستزيد مساحة الأطيان التى تزرع فى الجزيرة من 300 ألف فدان إلى مقدار غير محدد تبعا لما تقتضيه الحاجة، ويوضح عبدالرحمن الرافعى طبيعة هذا المطلب، قائلا فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية – ثورة 1919»: «كانت إدارة مياه النيل فى السودان حتى عام 1924 بيد وزارة الأشغال المصرية، وجميع أعمال الرى فى السودان من اختصاص هذه الوزارة أسوة بأعمال الرى فى مصر، ومما قررته التصريح بزراعة 300 ألف فدان فقط فى الجزيرة».
ونص المطلب السابع على ألا تعارض الحكومة المصرية رغبات حكومة صاحب الجلالة البريطانية فى الشؤون المتعلقة بحماية المصالح الأجنبية فى مصر، وانتهى البلاغ بإنذار حمل تهديدا قاطعا بأنه «إذا لم تلب هذه المطالب فى الحال تتخذ حكومة صاحب الجلالة على الفور التدابير المناسبة لصيانة مصالحها فى مصر والسودان ، شمل البلاغ الثانى ثلاثة مطالب هى: بعد سحب الضباط المصريين والوحدات المصرية البحتة للجيش المصرى فى السودان، تحول الوحدات السودانية إلى قوة مسلحة سودانية خاضعة وموالية للحكومة السودانية وحدها وتحت قيادة الحاكم العام، وأن القواعد والشروط الخاصة بخدمة الأجانب الذين لايزالون فى خدمة الحكومة المصرية وتأديبهم واعتزالهم الخدمة، وكذلك الشروط المالية لتسوية معاشات الموظفين الأجانب الذين اعتزلوا الخدمة، يجب أن يعاد النظر فيها طبقا لرغبات الحكومة البريطانية، أما المطلب الأخير فكان «تبقى الحكومة المصرية منصبى المستشار المالى والمستشار القضائى “إنجليزيين” وتحترم سلطتهما وامتيازاتهما.
توجه سعد زغلول إلى قصر عابدين فور تسلمه البلاغين «الإنذاريين»، وعرضهما على الملك فؤاد، ثم دعا مجلس الوزراء إلى الاجتماع، وفى المساء عقد مجلس النواب جلسة سرية، منح فيها الثقة التامة للحكومة، وسمح لها بقبول الشرط الأول والثانى والرابع، ورفض بقية الشروط الخامس والسادس والسابع.
ويذكر عبدالرحمن الرافعى أن واصف بطرس غالى باشاوزير الخارجية توجه إلى دار المندوب السامى البريطانى، وقدم رد الحكومة على الانذارين، ويتلخص فى قبول المطالب الأربعة الأولى فقط، وهى نفى مسئولية الحكومة المصرية فى حادث مقتل السير لى ستاك وتعقب الجناة ومحاكمتهم، واعتذارها عن الحادث، ودفع نصف مليون جنيه للحكومة البريطانية، واعتزامها منع كل مظاهرة شعبية يكون من شأنها الاخلال بالنظام العام»، لكن أللنبى فقدم سعد استقالة الحكومة شفويا إلى الملك فؤاد يوم 22 نوفمبر، ثم رفعها كتابيا يوم 23 نوفمبر.