بوابة الشروق, ثقافة 26 نوفمبر، 2025

تعرّف على أبرز مؤلفاته في الاقتصاد والسياسة والدفاع عن الهوية والإسلام

 
في الخامس والعشرين من نوفمبر، يعود اسم طلعت حرب باشا ليطل كل عام في ذكرى ميلاده باعتباره واحدًا من أبرز صناع النهضة في مصر الحديثة، فهو الرجل الذي خلّف وراءه مشروعًا وطنيًا متكاملاً لا يزال أثره قائمًا حتى اللحظة؛ فلم يكن طلعت حرب مجرد مؤسس لبنك مصري، بل كان عقلًا اقتصاديًا موسوعيًا ومصلحًا اجتماعيًا أدرك مبكرًا أن استقلال الأمة لا يتحقق إلا عبر اقتصاد قوي وثقافة واعية وصناعة وطنية حرة.
وبدأ “حرب” مسيرته من مدرسة الحقوق، ثم من العمل في المؤسسات المالية التي كوّنت لديه رؤية نقدية دقيقة لطبيعة الاقتصاد المصري الخاضع آنذاك للنظام الاستعماري، ومن هنا جاءت فكرته الكبرى: تأسيس بنك مصري خالص يملك المصريون فيه الأموال والإدارة والقرار، وفي عام 1920 رأى بنك مصر النور، ليصبح نواة لمجموعة صناعية وثقافية ضخمة شملت شركات الغزل والنسيج، والطيران، والطباعة، والتأمين، والنقل، وصناعة السينما، وكان ذلك حدثًا غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الوطني.
ولم يكن طلعت حرب رجل إدارة وإنتاج فقط، بل كان أيضًا صاحب مشروع فكري واضح عبّر عنه في عدد من المؤلفات التي رسّخت رؤيته للاستقلال الاقتصادي، ومنها كتابه «علاج مصر الاقتصادي» الذي صاغ فيه برنامجًا شاملًا للنهوض بالصناعة والزراعة، وتناول فيه أزمات الاقتصاد المصري وسبل إصلاحه، و «طلعت حرب وتحدي الاستعمار»، و «قناة السويس» الذي درس فيه الموقع والسيادة والدور الاقتصادي للقناة.
كما كان “حرب” من المدافعين عن الشريعة الإسلامية والهوية، وله في ذلك مؤلفات عديدة؛ نذكر منها: «تاريخ دول العرب والإسلام» الذي قدّم فيه قراءة حضارية للهوية العربية وصلتها ببناء القوة، و «البراهين البينات على وجوب تعليم البنات»، و «تربية المرأة والحجاب» ؛ الذي كتبه ردًا على كتاب قاسم أمين «تحرير المرأة».
وإذا كان بنك مصر هو عمود مشروعه الاقتصادي، فإن ستوديو مصر كان أحد أعمدة مشروعه الثقافي؛ فقد رأى أن النهضة الصناعية لا تنفصل عن النهضة الفنية، وأن السينما ليست ترفًا بل صناعة وطنية لها دور في تشكيل الوعي. وبفضل دعمه تأسس ستوديو مصر عام 1935 الذي خرجت منه أهم المواهب السينمائية، وكان حجر الأساس لما عُرف لاحقًا بـ “السينما المصرية” التي أصبحت قوة ناعمة للعرب جميعًا. كذلك أسهمت شركة مصر للطباعة في دعم حركة النشر والصحافة وإتاحة الكتاب للقارئ العربي، فيما ساعدت شركاته المختلفة في خلق طبقة عاملة واعية، وتحريك المجتمع نحو المشاركة الإنتاجية.
وإلى جانب مؤلفاته الأشهر، كان لـ “حرب” بعض التجارب الشعرية مثل قصائد في تهنئة السلطان العثماني عبد الحميد والدبلوماسي المصري محمود رياض باشا، وقصيدة تبدأ بـ «صرحت بالقصد والمحبوب قد كنى»، فضلًا عن دراساته في قضايا النقد والمال التي نشر بعضها في مقالات مطولة قبل جمعها في كتب. وتكشف هذه الأعمال عن جانب آخر من شخصية طلعت حرب؛ فهو لم يكن رجل صناعة ومؤسسات فقط، بل مفكرًا يرى أن الاقتصاد لا ينفصل عن الثقافة، وأن بناء دولة قوية يحتاج إلى عقل ناقد يقرأ التاريخ ويحلل الواقع ويضع أُسس المستقبل.
وترك طلعت حرب إرثًا لا يمكن اختزاله في أرقام أو مشاريع، لأن ما صنعه كان أكبر من الشركات والمصانع؛ لقد أسّس لفكرة أن المصري قادر على المنافسة والإدارة والإبداع، وأن الاستقلال الحقيقي يبدأ من استقلال الجيب والعقل معًا. ومع كل ذكرى سنوية تمر، تعود سيرته لتؤكد أن الرجل الذي رحل في يوم مولده لم يمت فعليًا، لأن ما بناه ما زال قائمًا، ولأن فكرته لم تتراجع قيمتها أمام الزمن. لقد كان طلعت حرب صوتًا مبكرًا لاقتصاد وطني، وعقلًا يرى الثقافة شريكًا في التنمية، ورمزًا لنهضة لم تُكتَب بحبر الاقتصاد وحده، بل بحبر الإيمان بقدرة الشعب على أن يصنع مستقبله.

زيارة مصدر الخبر