بينما يُراقب الأمريكيون ميزانياتهم الغذائية ويؤجلون مشترياتهم الكبيرة، يحصل أصحاب العمل على رواتب قياسية، على سبيل المثال يتقاضى تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، فى يوم عمل أكثر من متوسط دخل الشخص الأمريكي في شهر عمل.
وقطعت آبل، عملاق التكنولوجيا الذي تبلغ قيمته الآن 4.1 تريليون دولار، شوطًا طويلًا منذ طرحها للاكتتاب العام قبل 45 عامًا، تحت قيادة كوك، أصبحت ثاني أغلى شركة في العالم، وينعكس ذلك على راتبه، حيث ارتفع راتب كوك السنوي إلى 74.6 مليون دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 18% عن 63.2 مليون دولار في العام السابق، ويتألف راتبه الضخم من 58.1 مليون دولار في شكل أسهم، و12 مليون دولار في شكل حوافز غير مرتبطة بالأسهم، و1.5 مليون دولار في شكل تعويضات أخرى.
ورغم أنه يُعدّ من بين أعلى الرؤساء التنفيذيين أجرًا في العالم اليوم، إلا أن راتبه الحالي لا يُقارن بما كان يتقاضاه سابقًا، ففي عام 2022، حصل كوك على ما يقارب 100 مليون دولار، ويعود ذلك في معظمه إلى أسهم مُنحت له، والتي وصفتها الشركة بأنها تعكس “قيادته الاستثنائية” و”القيمة غير المسبوقة” التي حققها للمساهمين، لكن راتبه انخفض في العام التالي بعد أن أوصى الرئيس التنفيذي بتعديله “في ضوء الملاحظات الواردة”، وذلك عقب اعتراضات من موظفي آبل وبعض المساهمين.
وعند مقارنة هذا الراتب برواتب المواطنين الأمريكيين العاديين، يتبين الفارق الشاسع، فبراتبه البالغ 74.6 مليون دولار، يحتاج كوك إلى سبع ساعات عمل فقط ليتجاوز دخل العامل الأمريكي العادي، الذي يبلغ دخله السنوي 62,088 دولارًا فقط، وفقًا لبيانات الأجور الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي للربع الأول من عام 2025.
وفي غضون الثلاثين دقيقة التي يستغرقها معظم الناس للوصول إلى مكاتبهم، يكون كوك قد جمع بالفعل 4,256 دولارًا إضافية، أي أكثر مما ادخره معظم الأمريكيين للطوارئ.
بينما قد يستغرق الأمر عقودًا من الزمن ليتمكن الأمريكيون من ادخار المال لشراء منزل، يستطيع الرئيس التنفيذي لشركة آبل تحقيق ذلك في غضون عطلة نهاية أسبوع واحدة فقط، فقد جمع تيم كوك 439 ألف دولار من دخله خلال يومين وربع فقط، وهو متوسط سعر المنزل في الولايات المتحدة، وفقًا لأداة جديدة لحساب رواتب الرؤساء التنفيذيين من موقع Resume.io.
يمكنه شراء ايفون 17 برو كل 8 دقائق
وحتى شراء منتجات شركته الخاصة – التي تُعتبر من الكماليات بالنسبة لمعظم الناس، حيث يصل سعرها إلى آلاف الدولارات – لا يُشكل عبئًا ماليًا يُذكر، ففي غضون 21 دقيقة فقط، جمع كوك ما يكفي لشراء جهاز MacBook Pro بقيمة 3000 دولار؛ وفي أقل من ثماني دقائق، استطاع شراء هاتف iPhone Pro 17 بقيمة 1100 دولار.
أعلى الرؤساء التنفيذيين أجراً في أمريكا – ومقارنة بكوك
يُعدّ كوك من بين أعلى الرؤساء التنفيذيين أجراً في الولايات المتحدة، لكنه ليس الوحيد الذي يتصدر عناوين الأخبار براتبه الخيالي، حيث حصل إيلون ماسك، رئيس شركة تسلا وأغنى رجل في العالم، على حزمة رواتب بقيمة تريليون دولار بعد جدال حاد مع شركات استشارية حثت المساهمين على رفض هذا التعويض الباهظ، وقد أثارت هذه الموافقة غير المسبوقة انتقادات واسعة النطاق حول اتساع الفجوة في الثروة بين الأغنياء والفقراء في العالم.
وماسك ليس سوى واحد من بين العديد من الرؤساء التنفيذيين الذين تسلط الأضواء على ثرواتهم، في عام 2024، كان ريك سميث الرئيس التنفيذي الأعلى أجراً لشركة أمريكية عامة كبيرة تبلغ قيمتها مليار دولار، وحصل الرئيس التنفيذي لشركة أكسون، المتخصصة في تكنولوجيا الدفاع والتي تبلغ قيمتها 45.5 مليار دولار، على 164.5 مليون دولار، وفقاً لتحليل أجرته شركة إيكويلار الاستشارية المتخصصة في تعويضات المديرين التنفيذيين.
وبعد سميث، جاء جيم أندرسون، الرئيس التنفيذي لشركة كوهيرنت، الذي حصد 101.5 مليون دولار العام الماضي، في الوقت نفسه، حقق برايان نيكول، الرئيس التنفيذي لشركة ستاربكس، 95.8 مليون دولار، بينما نال لاري كولب، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك إيروسبيس، 87.4 مليون دولار، وحلّ مايكل أروغيتي، الرئيس التنفيذي لشركة آريس مانجمنت، في المركز الخامس بنفس المبلغ، وكان كوك سابع أعلى الرؤساء التنفيذيين أجراً في هذه القائمة، مباشرةً بعد ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، الذي بلغ دخله 79.1 مليون دولار.
وبالطبع، هناك رؤساء تنفيذيون آخرون يديرون شركات خاصة (غير ملزمة بالإفصاح عن رواتب رؤسائها التنفيذيين) ويتقاضون رواتب تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات، وبعيداً عن التعويضات المباشرة، ليس من النادر أن يحقق القادة مكاسب بمليارات الدولارات من استثماراتهم.
وفي أكتوبر، شهد برنارد أرنو، الرئيس التنفيذي لشركة LVMH، ارتفاعاً هائلاً في ثروته بمقدار 19 مليار دولار بين ليلة وضحاها، عقب إعلان الشركة عن أرباح قياسية، وفي الشهر السابق، قفزت ثروة الرئيسة التنفيذية لشركة أوراكل آنذاك، صفرا كاتز، بأكثر من 400 مليون دولار لتصل إلى 3.4 مليار دولار في ست ساعات فقط بفضل عام الانطلاقة لشركة التكنولوجيا، وفقًا لمجلة فوربس.
اتساع فجوة الدخل في أمريكا
تضم الولايات المتحدة أكبر عدد من أصحاب المليارات في العالم، ولا يخفى على من يعيشون على دخلهم الشهري التغيرات الحاصلة في ديناميكيات الثروة في البلاد، فقد نما صافي دخل الأمريكيين من ذوي الدخل الأدنى، بعد خصم الضرائب، بنسبة 1.3% فقط على أساس سنوي في يوليو الماضي، بانخفاض عن 1.6% في الشهر السابق، وفقًا لمعهد بنك أوف أمريكا.
في المقابل، ارتفعت أجور ذوي الدخل الأعلى إلى 3.2% خلال الفترة نفسها، مسجلةً بذلك ثالث زيادة شهرية متتالية، ويمثل هذا التغير أكبر فجوة في الثروة بين الأسر ذات الدخل المنخفض والأسر ذات الدخل المرتفع منذ أربع سنوات، وقال ديفيد تينسلي، كبير الاقتصاديين في معهد بنك أوف أمريكا، لمجلة فورتشن في أغسطس الماضي: “بمعنى ما، شهدنا تحسنًا في نمو أجور ذوي الدخل المنخفض منذ بدء الجائحة، والآن انعكس هذا الوضع، كان هناك تضييق في فجوة الثروة، والآن تتسع.”
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة كلاريفاي كابيتال عام 2025، فإن حوالي 47% ممن يتقاضون رواتب تتجاوز مئة ألف دولار يؤجلون رحلاتهم وعطلاتهم التي يحلمون بها، و31% يؤجلون تجديد منازلهم، و26% يؤجلون شراء أو استئجار سيارة جديدة، كما أن تحقيق الحلم الأمريكي بامتلاك منزل ذي سياج أبيض متوقف مؤقتًا؛ إذ يؤجل حوالي 17% شراء منزل، و6% يؤجلون حتى الزواج.