نحتفل اليوم بنهاية عام 2025، وبالمجمل يمثل التفكير فى “الختام” داخل النص الروائى ارتباطًا مباشرًا بكيفية بناء الزمن نفسه، فالرواية العربية، خاصة منذ الستينيات، لم تعد تعتبر الزمن خطًا مستقيمًا، بل مادة قابلة للقطع والرجوع والاستباق، بما يسمح بأن تكون النهاية “لحظة كشف” لا “لحظة انتهاء”، وبعض الدراسات التى تتناول الزمن السردى تبرز هذا المعنى عبر الحديث عن المعاكسات الزمنية والاستذكار والحذف والوقفة السردية، بوصفها أدوات تنتج أثر النهاية وتعيد تعريفها، النهاية هنا ليست آخر ما يحدث فقط، بل آخر ما “يفهم” من ترتيب الأحداث.
فى هذا النوع، تكتب النهاية كصفعة أو سؤال محرج يواجه القارئ لا الشخصيات وحدها، المثال الأشهر عربياً هو خاتمة رواية “رجال فى الشمس” لغسان كنفانى (منشورة بالعربية سنة 1963)
هنا تتجسد النهاية كإدانة للصمت والعجز، وتتحول “الجملة الأخيرة/الصرخة” إلى ميزان أخلاقي، ليس المهم ما جرى للشخصيات فقط، بل ما يطال القارئ من مساءلة، وقد تناولت قراءات نقدية رمز “الخزان” ودلالة النهاية بوصفها نقطة تصعيد للمعنى السياسى والوجودى معًا.
فى روايات أخرى، لا تغلق الحكاية بقرار، بل بتعليق الوعى على حافة غامضة، النهاية تشبه توقف الموسيقى قبل أن تستقر على مقامها، هذا النوع يتكئ على فكرة أن الخاتمة ليست حلًا، بل انتقال إلى مساحة تأويلية، كتابات نقدية عن النهايات ترى أن الانفتاح ليس عشوائيًا بالضرورة، بل جزءا عضويًا من الهندسة المعمارية للنص، لأن النص يريد أن يظل حيًا فى ذهن المتلقي، لا أن يطوى كملف منتهٍ.
واحدة من أكثر صور الختام حضورًا فى الرواية العربية هى النهاية الدائرية: أن يعود النص، رمزيًا أو بنيويًا، إلى نقطة تشبه بدايته، لا ليكررها، بل ليكشف أن المسار كله كان دورانًا حول جرحٍ واحد، رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح تقدم نموذجًا شديد الثراء لهذا المنطق.
فى مثل هذه الأعمال، تصبح النهاية بمثابة “إعادة تشغيل” للأسئلة: الهوية، الاغتراب، ومأزق العودة، ومن هنا تظهر النهاية لا كقفل، بل كفتح جديد على بداية أخرى، كأن النص يقول للقارئ: انتهيت لأبدأ فيك.
هناك روايات تجعل الخاتمة مرادفًا للفقد: موت شخص/مكان/نمط حياة، أو انهيار يقين قديم، فى رواية عبد الرحمن منيف “النهايات” نجد اشتغالًا على معنى “النهاية” بوصفها قدرًا جماعيًا لا حادثة فردية
فى هذا الطراز، لا تؤدى النهاية إلى الراحة؛ بل إلى “وعى موجع”،كأن الرواية تحول وداع الزمن إلى معرفة، وتجعل الخاتمة شكلًا من أشكال الحداد السردي.
ومع ذلك، تظل الرواية العربية مترددة بين نهايتين، نهاية تشبع الحاجة إلى العدالة/الترتيب/المعنى، ونهاية تترك “العدالة معلقة” لأن الواقع نفسه معلّق، ولأن الفن لا يريد أن يزوّر الحياة بإجابات سهلة.