استوقفتني بالأسابيع القليلة الماضية عدة أحداث، أقل ما يمكن أن تتصف بها أنها غير إنسانية وغير آدمية، بل وشديدة الغرابة عن سلوكيات وأخلاقيات المصريين التي عهدناها، قبل أن تنقلب رأساً على عقب، تحديداً  فى زمن السوشيال ميديا وما جلبه لنا من آفات لم نكن نتصور أن لها أية وجود بالواقع، ولكن بكل أسف قد تبين أنها اللغة الغالبة والسلوكيات الشائعة بزمن عجيب يدفع بنا يوماً بعد الآخر في مستنقعات من الكراهية والأحقاد وسوء النوايا والأنفس.

فمنذ عدة سنوات قليلة بات تربص جماهير العالم الافتراضي بفئة المشاهير والشخصيات العامة أمراً معهوداً وظاهرة خارجة عن السيطرة.

ولكن:
مع آخر المستجدات التي ضربت بكافة معاني الرحمة والإنسانية عرض الحائط، أصبح هناك نوع جديد من التنمر الجارح الذي فاق كل الحدود.

– عندما خرجت فنانة راقية وابنة لفنان محترم تتوسل لجماهير السوشيال ميديا أن يكفوا عن  السخرية منها لظهور بعض علامات تقدم العمر عليها، وطلبت منهم بأدب شديد أن يكتفوا بنشر تلك التعليقات على صفحاتهم الشخصية وليس على صفحتها حتى لا يتأذي أبناؤها من مثل تلك الكلمات الجارحة.
– وكذلك حملة السخرية والتهكم والتنمر التي تعرض لها مؤخراً البلوجر الشاب شريف نصار، والتي أصابته بحزن شديد لم يحتمله قلبه ليفارق هذه الحياة حزيناً مهزوماً مصدوماً مما آلت إليه أخلاقيات البشر من توحش وقسوة و كراهة غير مسبوقة ولا مبررة برغم كل الضغوطات النفسية التي يعاني منها المجتمع بأسره.

فكما نعلم أن الكلمة الطيبة نوع من أنواع الصدقات التي وجب علي الإنسان الحرص على إخراجها في كل يوم يكتب له الله فيه أن يحيا من جديد، ليمتن لله على نعمه التي لاتعد ولا تحصي.
وتلك الصدقات التي نتحدث عنها لا تقتصر عل فئة القادرين من الناس لصالح غير القادرين، وإنما الصدقات للجميع من استطاع مادياً ومن لم يستطع، إذ أن هذه الصدقة قد تكفيها وتفيض كلمة طيبة من شخص لآخر.
فهذه الكلمة التي تطيب بها نفس قد يكون بها من الحزن والألم والانكسار ما يشفيها.

إذ أن هذه الكلمة التي قد تجبر بها خاطر شخص و ترفع من حالته المعنوية، وتهدئ بها من جراح نفسه لن تكلفك الكثير ولن يضيرك منحها والإغداق بها على من حولك ولن تنتقص منك شيئاً إن أكثرت منها لوجه الله ودون مقابل.

فما يحدث بالآونة الأخيرة تحديداً بمجتمعات العالم الإفتراضي المسمي بالسوشيال ميديا، ما هو الا حالة عامة من التربص والتطاول على الآخر، دون منطق ودون تمييز أو احترام لشيخ كبير أو رمز مجتمعي قد اعتاد احترامه الناس سواء كان فنانا أو رياضيا أو شيخا من الدعاة، أو حتي عالم من العلماء، في حالة غير مسبوقة من إساءة الأدب والتبجح والرغبة في الهجوم من أجل الهجوم وكأن نفوس الناس قد اكتظت بأدرانها لدرجة الرغبة الملحة في التخلص من بعضها و رمي الآخرين بها.

و كأن الناس قد نصبت نفسها أوصياء على الناس، و تحول أكثرهم إلى نقاد ومنتقدين لهذا وذاك، بكلمات لاذعه مؤذية قد تتسبب للبعض فى إحباط أو حزن أو انكسار للقلب أو انعدام للثقة بالنفس، وغيرها من مسببات الأذي والألم النفسي، ما يخالف شريعة كل الأديان السماوية وغير السماوية وأبسط قواعد الإنسانية التي اتفقت جميعها على أن الدين المعاملة، أياً كان هذا الدين، وأن الكلمة الطيبة صدقة وجبر الخواطر من أولى أسباب الفوز بالجنة.

نهاية:
عزيزي الإنسان..
أنت لا تعلم ما يخبئ كل منا بنفسه من ظروف وهموم ومتاعب، وما قد تخفيه ابتسامة على الوجه وصورة هنا ولقاء هناك قد يكون بغرض الترويح عن نفس مثقلة بالأعباء، تتلهف بشدة لكلمة قد تخفف عنها بعض أحمالها أو يتبدل بها حالها أو حتي تتقي بها شرورها.

فليتصدق بعضنا على بعض بهذه الكلمة التي لن تكلفه الكثير، وليكثر منها هنا وهناك، لينشر لغة أخرى للمحبة والسلام في مقابل تلك التي ترددت أصداؤها الشريرة لتصيبنا بغصة قد امتلأت بها أنفسنا.

لعل الله يجعل لنا ولبلادنا وإخوتنا من المستضعفين في الأرض من بعد عسر يسرا.

زيارة مصدر الخبر