تحل الكاتبة الكبيرة لطيفة الزيات ضيفة على صالون الدستور الثقافي، والذي يأتي في الأول من يوليو الموافق يوم الثلاثاء المقبل في تمام السابعة مساء، ويدير الصالون الناقد والشاعر والمؤرخ شعبان يوسف.
الدكتورة لطيفة الزيات
وكانت لطيفة الزيات قد تحدثت حول تجربتها مع الإبداع في مقال نشرته بمجلة الهلال عام 1992، تقول لطيفة الزيات: “لكل كاتب شعوره الإنساني المهيمن على بقية مشاعره، وهذا المعين هو الذي يشكل الحافز على الإبداع، وهو الذي يلقى التعبير في الكتابة الإبداعية. وهذا الشعور المهيمن قد لا يتغير على مسار العمر، وإن تغير فمرة أو مرتين على طيلة العمر، فى العمل الأول للكاتب يواتينا هذا الشعور المهيمن بكل طزاجته حيا دفاقا يمس أفئدتنا”.وتضيف: “وإذا ما استمر هذا الشعور المهيمن قائما تبدأ المشكلة مع العمل الثاني للكاتب وخطورة التكرار تهدده، إذ يبقى ذات الشعور مشكلا الحافز على الكتابة ومطالبا بالتعبير، ويتأتى على الكاتب إن أراد ألا يكرر نفسه أن يجد أقنعة جديدة يتخفى خلفها شعوره المهيمن، وإيجاد هذه الأقنعة الجديدة ليس بالأمر السهل، فقد يتوصل الكاتب لهذه الأقنعة فتنفرج أزمته، وقد لا يتوصل، فيتوقف رافضا تكرار نفسه، ولعل هذا ما حدث لـ”فلوبير” القصاص الفرنسي الكبير الذي كتب على طيلة حياته عملين روائيين فحسب، وإذا ما وجد الكاتب أقنعته التي يتخفى خلفها توالت أعماله، وانتقل في الإبداع من مجال الهواية إلى مجال الاحتراف، يقول الكاتب الألماني الكبير توماس مان: كنت أتوقف عن الكتابة بعد روايتي الأولى، غير أني لحسن الحظ وجدت أقنعة جديدة أتخفى خلفها، وكان ذلك بعد أن انتهى من رائعته الواقعية بود نبروكس، والتي تعتمد اعتمادا كليا على تاريخه الشخصي وتاريخ عائلته”.
الشاعر والناقد شعبان يوسف
وتكمل لطيفة الزيات: “ولم أجد أنا أقنعتي بعد صدور عملي الأول الباب المفتوح سنة ١٩٦٠، وكان أن بقيت في مجال الكتابة الإبداعية هاوية، ولم أقترب من الاحتراف إلا في عمل واحد جاء متأخرا ۱۹۹۱، وبعد الباب المفتوح فضلت التوقف على تكرار قولي، وظللت مدة زمانية تجاوز العشرين عاما ما بين عملي الأول، وعملي الثاني الشيخوخة وقصص أخرى ١٩٨٦، وخلال هذه الفترة كنت قد تقدمت في السن، وفي التجربة، وتغير منظوري للحقيقة ونما داخلي شعور مهيمن جديد يطالب بدوره بالتعبير، وتختلف قصص الشيخوخة من الباب المفتوح اختلافا يكاد أن يكون كليا بمدى ما تغيرت الرؤية وتبدلت، وتغير المنظور والشعور المهيمن على الكتابة، وبعد ما اقتضى هذا التغير بالطبع من متغيرات تقنية في أسلوب التناول واستخدام اللغة ومن متغيرات فكرية ضخمة”.وتواصل لطيفة الزيات: “وجاءت روايتي القصيرة “الرجل الذي عرف تهمته” مختلفة تمام الاختلاف عن كل ما كتبت في مجال الإبداع، خفيفة ناقدة ساخرة تستدر الضحكات من أقسى المواقف التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان من مصادرة لحريته بالسجن، ومصادرة لحريته في البيت بإملاء أجهزة الرقابة بالصوت والصورة لسنين عديدة على البيت، ومصادرة لحقوقه الإنسانية بتوجيه تهم باطلة إليه وبتزييف أشرطة التسجيل بغية إثبات هذه التهم المختلفة، وما إلى ذلك من أوجه انتهاك الحريات الخاصة والعامة التي انفضحت إثر حملة الاعتقال التي قام بها السادات ۱۹۸۱ في حق ألف وخمسمائة من معارضيه وأنا منهم”.
الباب المفتوح
وأكملت: “ولكي أعبر عن تجربة عصفت بحريتي وحقوقي كإنسان، كان لا بد من التجاوز النفسي لمرارة هذه التجربة أولا، وكان لا بد ثانيا أن أجد القناع الذي أتخفى خلفه في عملية التعبير لأفضح عمليات المصادرة والتزييف، ولأضحك الناس من أوضاع هي بطبيعتها أوضاع مأساوية – في أعماق المأساة ترقد الكوميديا أحيانا – وفي هذا العمل المختلف تماما عن بقية أعمالي، اقتربت ما أمكن من وضع الاحتراف، وضمت حملة تفتيش أوراق شخصية التي هي أشبه بالرواية منها بالسيرة الذاتية جماع مشاعري التي هيمنت على طيلة حياتي، وفي حملة تفتيش الكثير من الباب المفتوح، وفيها من الشيخوخة، وفيها من الرجل الذي عرف تهمته”.وتستطرد لطيفة الزيات: “ولأني لم أحترف الإبداع وبقيت في مجاله هاوية، تبقى تجربة الإبداع عندي تجربة صميمة تتساوى في الأهمية والوجود ذاته، وأعلى الوجود لا مجرد التواجد، بما يتضمنه هذا الوجود من تفاعل حي، ومن وصل وتواصل مع الآخرين، وفي كل مرة أشعر فيها أن رؤية جديدة ما للحياة تتبلور داخلي، أشعر بالرغبة في استكشاف هذه الرؤية على الورق بهدف إيصال أبعادها مكتملة للآخرين”.وتكمل: “هذه الرؤية الجديدة الحقيقة عادة ما تؤرقني، وتعزلني وتجعلني أشعر بالتفرد والاختلاف، وبالاغتراب نتيجة لهذا التفرد والاختلاف، إذ تبدو كما لو كانت رؤيتي أنا الخاصة دون رؤية الآخرين، وتشكل الرغبة في إيصال رؤيتي هذه للآخرين، وفى مشاركة الآخرين لي في هذه الرؤية الحافز على الكتابة، والعامل الرئيسي الذي يتحكم في نوعية هذه الكتابة، فأنا لا أسعى فحسب إلى التعبير عن رؤيتي، بل أسعى في المقام الأول إلى اقناع الآخرين إقناعا فنيا بالطبع، بصحة هذه الرؤية وسلامتها، ومحاولة التأثير فيهم بهدف تبنيها ومشاركتي فيها، وعندما يصلني بعد النشر إقرار الآخرين، تصبح رؤيتي رؤية الآخرين تسقط على عزلي وما توهمت أنه تفردي، وأنتمى من جديد للكل، ويتحقق ما أردت لنفسي دائما ومازلت أريد”.وتختتم: “ولأن الإبداع عندي وصل ووصال، ولأني أخشى دائما ألا يتحقق هذا الوصل والوصال نتيجة لقصور تعبيري عن بلوغ غايته، تبقى عملية النشر بالنسبة لي عملية تكتنفها المخاوف والهواجس، وأنا أؤجل ما أمكن عملية النشر وتبقى المخطوطات مركونة في أدراجي تهيبا من نشرها أحيانا لسنوات، وأظل للحظة الأخيرة متهيبة وعاجزة عن التنبؤ برد الفعل، ويكفي أن أقول أنى أحببت أعمالي من خلال حب الناس لها”.
صالون الدستور الثقافي
يذكر أن صالون الدستور الثقافي يقام مرتين شهريا ويحتفي بأحد المبدعين الكبار سواء الذين رحلوا ام ما زالوا على قيد الحياة، ويتحدث في الصالون ويديره الكاتب والمؤرخ والشاعر شعبان يوسف والذي يحتفظ بمخزون ضخم عن المبدعين، ويفرج من خلال الصالون عن الكثير من الاوراق والمستندات التي تتعلق بالمبدعين تدليلا على ما يتحدث عنه.يقام الصالون بمقر جريدة الدستور 16 شارع مصدق، الدقي، بجوار برج مصدق الطبي، وتكون الدعوة عامة للجميع.