ثقافة, جريدة الدستور 10 ديسمبر، 2025

ثمّن الكاتب، عادل موسي، خبير التراث، وعضو لجنة صون التراث الثقافي غير المادي، قرار تسجيل الكشري المصري على قائمة اليونسكو. 

بداية مصر مع اليونسكو بـ“السيرة الهلالية”

وقال “موسي” في تصريحات لـ”الدستور”: يمتلك التراث الثقافي غير المادي المصري ثراءً وعمقًا هائلين، إلا أن حضوره في قوائم اليونسكو لا يزال يثير التساؤلات حول مدى الاهتمام بهذا الكنز الوطني. وقد وصل عدد الملفات المسجلة لمصر إلى 11 ملفًا (بما في ذلك ملف الكشري الحادي عشر المسجل في 2025) على مدار سبعة عشر عامًا كاملة، بدءًا من عام 2008.كانت الانطلاقة الأولى لمصر في قوائم اليونسكو عام 2008 بتسجيل ملف “السيرة الهلالية” كواحدة من روائع الأدب الشفهي، حيث كان وراء هذه البداية د.فتحي صالح أحد الكوادر العلمية العظيمة في مصر ومؤسس مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية، الذي قاد الملف بالتعاون مع د.أحمد مرسي -أحد رواد الفولكلور في مصر والعالم العربي ورئيس جمعية المأثورات الشعبية آنذاك. وقد جسد هذا التعاون نموذجًا مثاليًا للشراكة، حيث مثّل د.صالح الجانب الحكومي، فيما مثّل د.مرسي مؤسسات المجتمع المدني. وأوضح “موسي”: بعد هذه البداية، تولت وزارة الثقافة مسؤولية إعداد الملفات بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية، وهو تعاون أثمر عن تسجيل العديد من العناصر الهامة. وعلى الرغم من أن التراث المصري غير المادي ثري ومليء بالعناصر التراثية التي تحتاج للتسجيل، فإن عدد الـ 11 ملفًا المسجل يعتبر رقمًا هزيلًا. هذا المعدل البطيء لتسجيل الملفات (17 عامًا لـ 11 ملفًا) يثير الاستغراب ويستدعي ضرورة إيلاء الدولة اهتمامًا أكبر بهذا المجال. وقبل أن يفكر أحد في فائدة أن يكون لنا عدد كبير من الملفات المسجلة، يجب أن نعلم أن هناك دول تتسارع الآن من أجل تسجيل أكبر عدد من الملفات الفردية والمشتركة؛ وذلك لتثبت للعالم بشكل قانوني امتلاكها لعناصر تراثية عدة، مما يضعها تحت مظلة الحماية الدولية، كما أن التسجيل يعزز صورة الدولة كحارس وراعٍ للتراث الإنساني أمام المجتمع الدولي. ولتحقيق ذلك، يجب على الدولة أن تخصص كوادر إضافية ومساعدة للباحثين والأساتذة الحاليين القائمين على إعداد الملفات، وأن تقوم بتوسعة رقعة العاملين في اختيار وكتابة الملفات لضمان جاهزيتها وعددها.

أهمية تسجيل الكشري وغيره

وأضاف “موسي”: هنا أمر آخر، وهو أن معظم الملفات المصرية تتقدم للتسجيل في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية (Representative List)، وهي قائمة تُظهر فقط امتلاك الدولة للعنصر التراثي الذي لا يعاني من أي خطر اندثار. لكن اليونسكو تمتلك قائمة أخرى أكثر أهمية تتطلب جهدًا أكبر في الإعداد، وهي قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل (Urgent Safeguarding List). هذه القائمة تعني أن العنصر التراثي مهدد بالاندثار، ويتطلب وضع خطط عاجلة لصيانة هذا العنصر والحفاظ عليه، بالإضافة إلى إمكانية الحصول على دعم دولي لازم لتنفيذ هذه الخطط. إذن فمن الضروري الانتقال إلى تقديم ملفات في قائمة الصون العاجل لحماية العناصر المهددة فعليًا في مصر. ومن المهم جدًا تصحيح المفهوم الخاطئ السائد بأن تسجيل عنصر ما في اليونسكو هو بمثابة “صك ملكية” أو احتكار للدولة المسجلة؛ فالتسجيل هو تعريف بوجود العنصر، حيث نسجله بصفته “الحناء في مصر” وليس “الحناء المصرية”.هذا يسمح بوجود نفس العنصر في دول أخرى (مثل موريتانيا أو السودان)، وهو دليل على ثراء العنصر وانتشاره المشترك، ويعكس صورة إيجابية للدول التي تمارسه. كما أن التسجيل يخص “التراث الحي”، فلا تسجل اليونسكو التراث الذي فُقد أو انتهى، بل تسجل التراث الذي لا يزال حيًا يُمارس حاليًا وله امتداد تاريخي لثلاثة أجيال على الأقل، حتى لو كان عدد ممارسيه قليلًا. إذن، العناصر التي يمارسها المجتمع لعدة أجيال يعتبر تراثًا يخصها ويمكنها أن تسجله، ولا تهتم اليونسكو بتاريخ العنصر أو مكان نشأته، فهو إن كان واضحًا في بعض العناصر فهو مستحيل تحديده في العديد منها.

تسجيل التراث وسيلة للحفاظ لا للمنافسة والاتهام

التجربة أثبتت أن التعاون في تقديم الملفات المشتركة يعزز من قوة العناصر وقيمتها الإنسانية، ويمنحها فرصة أفضل للتسجيل. إن انضمام مصر إلى ملفات مشتركة مثل “نخيل التمر”، “فن الخط العربي”، “الحناء”، أو تقديم ملف “السمسمية” بالتعاون مع دول أخرى، لا يعني بأي شكل من الأشكال “التنازل” عن العنصر، بل يُظهر التعدد الثقافي والعمق الإنساني المشترك للعنصر.في الختام، علينا أن ندرك أن تسجيل التراث الثقافي غير المادي هو وسيلة لتعريف العالم بتراث الشعوب وحمايته للأجيال القادمة، وليس ساحة للاتهامات أو سوء الفهم. فما يُسجل اليوم هو ملك للإنسانية جمعاء، والتعاون في تسجيله يعكس وحدتنا الثقافية.

زيارة مصدر الخبر