المحاضرة الشيقة التى ألقاها الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، والحوار الذى دار بينه وبين عدد من ضيوف صالون “ماسبيرو الثقافي” من كبار الإعلاميين والصحفيين وقيادات مبنى الإذاعة والتليفزيون بحضور الصديق الكاتب أحمد المسلمانى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام مساء الثلاثاء الماضى، كشفت عن وجه آخر مدهش للمسئول التنفيذى فى الحكومة المصرية. وجه شديد الإبهار لفيلسوف ومفكر إسلامى وقارئ نهم مهموم ومهتم بالعلاقة بين العالم والإسلام، والتفاعل والتشابك بين الدين الحنيف بمقاصده الشرعية والنظريات الفلسفية والسياسية والاقتصادية الغربية من القرن التاسع عشر وحتى الآن.
ورغم أن الدكتور الأزهرى تخرج فى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف سنة ١٩٩٩م، وحصل على الماجيستير فى علم النفس التطبيقى من كلية التربية جامعة عين شمس، مع تسجيل درجة الدكتوراه فى نفس التخصص والكلية، ودرجة الدكتوراه فى القانون العام فى الجامعة العالمية بالمملكة الأردنية الهاشمية. وله 17 مؤلفا، إلا أن محاضرته عن النظريات والأفكار الفلسفية التى تدعو إلى النزوع إلى الاستهلاك والشراء الشره وتحكم السلعة فى النفس البشرية، وإلى الإلحاد والإرهاب وكيفية تعامل الإسلام معها بالعقل والحكمة والمنطق والجدال بالتى هى أحسن، أتاحت أمام الحضور المجال لمناقشة مفتوحة وإعادة طرح أسئلة دار حولها نقاشا مع بداية القرن الماضى حول علاقة الإسلام بالاشتراكية والرأسمالية.. وهل الإسلام ضد الرأسمالية ويميل إلى الفكر الاشتراكى؟ وهو ذات السؤال الذى ناقشه فى تسعينيات القرن التاسع عشر، المفكر الإسلامى المجدد جمال الدين الأفغانى بعنوان “الفكر الاشتراكى والعدالة الاجتماعية” أثناء إقامته فى باريس.
المداخلات تطرقت إلى كيفية تشابك الفكر الإسلامى مع الأوضاع الاقتصادية فى مصر -على سبيل المثال- منذ بداية السبعينيات مع بداية تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى وطرح رؤية تتماشى ومع ما يدعو إليه الإسلام من وقاية النفس من البذخ ومقت الشح والتكالب على المال والحرص عليه وتحريم الاحتكار الذى يضر بالمصلحة العامة. وأيضا نظام التكافل الاجتماعى كالزكاة ودورها فى سد حاجات الفقراء بدون من ولا أذى، حيث يأخذ الفقير حقه دون أى شعور بالذلة لأحد، بينما يوجد فى الرأسمالية نظام عائدات الضرائب التى يعطى الشخص بمقدار ما يسمح به رصيده.
يتساءل الدكتور أسامة الأزهرى كيف يتعامل الإسلام مع هذه الفلسفة الاستهلاكية التى طرحها عالم النفس النمساوى إدوارد بيرنيز؟ ويجيب بأن الدين الحنيف يحرص على حفظ النفس البشرية من الوقوع فى فخ الشره ونهم الشراء؛ حتى أن أحدهم جاء يشكو للفقيه الكبير إبراهيم بن أدهم غلو وارتفاع الأسعار فقال للشاكين:” أكلما اشتهيت اشتريت؟!”.
فمفاهيم الإسلام الوسطى ضد دواعى الاستهلاكية الغربية المفرطة والتى نتج عنها الترويج للسلع بالجنس تحت شعار “الجنس يبيع” وهو ما ظهرت معه دواعى الإباحية الجنسية والتى زادت فيما بعد ظواهر اجتماعية سلبية مثل المثلية والتحرشات والالحاد. ونستطيع أن نرصد تسارع متزايد لظاهرة الإلحاد مع السنوات الأولى للالفية الجديدة وبدأ ظهور نظريات فلسفية فى الالحاد لم تتصد لها الأقلام والعقول الإسلامية بمنهجية علمية.
لقاء الدكتور الأزهرى فى صالون ماسبيرو جعلنا نسعد بوجود “فيلسوف ومفكر” فى موقع المسئولية، فالمسئول ليس فقط مجرد منفذ للسياسات ومدير لشئون المنصب وانما صاحب فكر ورؤية و” كاريزما” ينهض من خلالها بالمسئولية ويمثل إضافة حقيقية للمنصب.
بالفعل لدى الدكتور أسامة رؤية واستراتيجية واضحة فى استعادة الصورة الحضارية والوسطية للإسلام، وأيضا استعادة مصر لدورها الحقيقى فى محيطها العربى والإسلامى وحضورها الإبداعى وقوتها الناعمة المؤثرة من خلال مبادرات وبرامج لإحياء دولة التلاوة المصرية وضبط الخطاب الدينى، وإطلاق حرية الفكر الإسلامى للاشتباك مع قضايا الواقع محليا وعالميا.
صالون ماسبيرو.. منصة فكرية تعكس الدور التنويرى والإشعاع الثقافى للمبنى العريق من خلال حوارات العصف الذهنى حول الحاضر والمستقبل فى كافة المجالات وهى إحدى ملامح خطة التطوير وإعادة البريق المفقود لماسبيرو إعلاميا وثقافيا.